الحكومة والنواب: ثقة لمرتين... وتأزيم متكرر لم يصل حد الطلاق

رئيس الوزراء عبدالله النسور (يسار) وأعضاء حكومته يتابعون إحدى جلسات مجلس النواب - (أرشيفية)
رئيس الوزراء عبدالله النسور (يسار) وأعضاء حكومته يتابعون إحدى جلسات مجلس النواب - (أرشيفية)

جهاد المنسي

عمان-  في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل) من العام الماضي 2013، حصلت حكومة الرئيس عبدالله النسور على ثقة مجلس النواب السابع عشر، بـ 82 صوتا.اضافة اعلان
وفي التاسع عشر من آذار (مارس) من العام الحالي 2014 جدد مجلس النواب الثقة بحكومة النسور، بعد ان صوت على مذكرة نيابية تطالب بطرح الثقة فيها، الا ان الحكومة حصلت على ثقة 81 نائبا، وهي المرة الثانية، التى تحصل فيها الحكومة على الثقة من مجلس واحد.
اليوم، وبعد حوالي عام ونيف، على الثقة الاولى بحكومة النسور، وأربعة أشهر، على إعادة منحها الثقة من جديد، تبدو العلاقة بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، ملبدة بغيوم كثيرة، يخيل للناظر اليها احيانا، انها ستمطر قريبا، عن طرح الثقة فيها او تغييرها، ولكن سرعان ما يظهر، ان تلك الغيوم "غير ممطرة"، وإنما غيوم صيفية.
فقد أظهر استطلاع للرأي حول مجلس النواب، "أن 59 % من الأردنيين المستطلعين، يرون أن المصلحة الشخصية هي ما يحكم علاقة النائب بالحكومة"، فيما بلغت درجة الرضا عن أداء النواب دون المتوسط
(29.4 %)، وفي الاستطلاع الذي أجراه مركز القدس للدراسات السياسية، قال 31 % من المستطلعين "إنهم يتابعون أعمال المجلس بينما الغالبية لا تبدي اهتماماً ولا ترى فائدة من المتابعة".
وكانت قضايا "ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في مقدمة أولويات الأردنيين داخلياً، والأزمة السورية في مقدمة الأولويات خارجياً".
بداية الحكاية... حكومة
برلمانية أم برلمان للحكومة
الرئيس النسور شكل حكومتين على مدى عامين، وجاءت حكومته الثانية، نتيجة مشاورات نيابية، قام بها رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة، وعلى ضوء اجتماعات بالكتل النيابية المختلفة، التي تشكلت بعد الانتخابات، وتم ترجيح اسم النسور، كمرشح من سواد كتل النواب للرئاسة، ليتم تكليفه من قبل جلالة الملك. النسور عاد الى مجلس النواب من جديد، لمشاورته حول أعضاء حكومته، والاستماع لوجهات نظر الكتل حول القضايا المطروحة، وبعد مشاورات اعتبرها البعض "برتوكولية" والبعض الآخر "جيدة وايجابية" تم الاعلان عن تشكيل الحكومة، وفورا برزت انتقادات نيابية على التشكيل وعلى اسماء فيها.
الحكومة جاءت ظاهريا من رحم افكار النواب، فقدمت نفسها كشريك لهم، في قيادة دفة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي المطلوب، ونوهت اكثر من مرة، انها والنواب سيعملان معا لتطبيق الرؤى الملكية، التي جاءت بكتاب التكليف للحكومة، وفي خطاب العرش، الذي افتتح به الملك دورة مجلس النواب السابع عشر. الحكومة اوجدت لنفسها قاعدة برلمانية كتلوية واسعة، اتكأت عليها، واعتمدت عليها في بداية الامر لتمرير بعض سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، لمعالجة اختلالات الموازنة العامة للدولة، والتي كان يطالب بها صندوق النقد الدولي، وابرزها التوجه لرفع الدعم عن سلع معينة منها الكهرباء، والمحروقات.
استطاعت الحكومة، بحنكة الرئيس النسور، امتصاص منتقدي التشكيل، بالتأشير لوجود تعديل قريب في الأفق، فقال الرئيس النسور بعد التشكيل "نحن نريد حكومة برلمانية، ولم نتحدث عن حكومة حزبية، ونريد مساهمة النواب (....) نريد حكومة برلمانية من قلب البرلمان وهذا سيكون خلال الفترة القادمة". التعديل الموعود حصل، وجرى فيه ضم شخصيات، تم تسميتها من قبل كتل برلمانية، ولكنه لم يضم نوابا بالمطلق، فتواصل إبعاد النواب عن كرسي الوزارة، وهذا اوجد غصة لدى كتل نيابية، كانت ترى ان الوقت حان لمشاركة النواب في الحكومة، فأحدث ذلك فجوة بين الحكومة وكتل كانت داعمة لها، بيد ان تلك الفجوة كانت تتلاشى، وتجد من يردمها، كلما اتسعت قليلا، بفضل تدخل خبراء الترطيب، سواء في البرلمان او الحكومة، او "بتدخل صديق احيانا".
مد وجزر نيابي حكومي
بعد ان ابتعد النواب عن مقاعد الوزراء، باتت طريقة العمل بين الحكومة والنواب مختلفة، فعادت العلاقة بين السلطتين لطريقتها الاولى، التي "تقوم على قدرة الرئيس، على ترطيب وتبريد كل مراحل التسخين، التي تحصل بين فترة واخرى، وبات على الرئيس ان يتوقع "قنابل متفجرة"، في كل جلسة نيابية، سواء من خصوم له، او حتى من نواب منحوا حكومته الثقة، وهذا ما كان يجري سواء في الدورة العادية الاولى او الاستثنائية، التي انقضت.
خلال الفترة الواقعة بين تاريخ منح الثقة بالحكومة، وتاريخ اليوم، ظهرت عقبات كثيرة بين الطرفين، وارتفعت وتيرة توقعات المراقبين، لحد توقع رحيل الحكومة قريبا، وما هي الا أيام، حتى تذهب تلك التوقعات ادراج الرياح، وتعود الرياح كما كانت سابقا.
بداية العقبات والتأزيم بين السلطتين، ظهرت اثناء مناقشة النواب للموازنة، وخطة الحكومة الاقتصادية، التي كانت تقوم على رفع الدعم عن مواد اساسية، تعود بالتالي على جيب المواطن الشاكي اصلا، وغير القادر على مواجهة "وحش الاسعار وتدني الرواتب"، الا ان الحكومة نجت، "بفضل حنكة الرئيس وتدخلات وتشابكات سياسية اخرى، كانت تحصل دوما، سواء في هذا المجلس او مجالس سابقة"، بحسب مراقبين، يرون ان ذلك نجّى الحكومة غير مرة من السقوط نيابيا، فنجت الحكومة رغم رفعها للأسعار، ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، ورغم العقبات السياسية التي مرت بها، وابرزها ازمة تصويت النواب على طرد السفير الاسرائيلي من عمان وعدم تنفيذها (الحكومة) للقرار، بعد حادثة اغتيال القاضي الشهيد رائد زعيتر.
مجلس النواب أنهى دورته الاستثنائية قبل أيام، ويستعد لدخول دورة استثنائية أخرى ثانية، بعد عيد الفطر، وعلاقته بالحكومة، بحسب مراقبين، تمر "بحالة مد وجزر شبه دائمة"، ففي الوقت الذي تشهد العلاقة تأزما، غير مسبوق، لأسباب تكون احيانا بسيطة، تعود العلاقة لطبيعتها بشكل عادي.  
النتيجة... علاقة متأزمة لا تصل للطلاق
المراقب لمشهد العلاقة بين السلطتين، من خارج البيت النيابي، يعتقد ان العلاقة  في اسوأ مراحلها، ويظن ان المجلس قاب قوسين او ادنى للتوقيع على مذكرة يطالب فيها برحيلها، الا ان ذلك عمليا، لن يحصل، بسبب "وجود مناصرين للحكومات مهما كان اسم الرئيس الذي يجلس في الرابع"، قادرين على اخراجها من الجب، إن وقعت فيه يوما، وقادرين على اسقاطها فورا ان طُلب منهم ذلك، وبالتالي فإن خيط الحكومة سيكون ظاهريا بيد مجلس النواب، باعتباره من يمنح الثقة للحكومة ومن يحجبها، ولكن مصير الحكومة في حقيقة الامر تحكمه متغيرات سياسية داخلية وخارجية تؤثر بالمجمل على الحكومة وفريقها، كما يقول مراقب سياسي.
الحاصل ان العلاقة بين الحكومة والنواب في ادنى درجات التنسيق، بيد ان "فتح الحكومة لطاقة تبريد للعلاقة" مع ائتلاف "مبادرة"، الذي ساهم خلال فترات سابقة في انقاذ الحكومة من مطبات نيابية مختلفة، ساهم في رصف طريق جيد لها.  كما ان قيام الرئيس وبعض اعضاء طاقمه بفتح علاقات مع كتل نيابية اخرى، ككتلة وطن والوسط الاسلامي والوفاق، التي كان لها يد طولى في ترشيح الرئيس النسور لرئاسة الحكومة، وحملها على الاكتاف في منحنيات كثيرة، "سيساهم في ضخ جرعات تبريد ايجابية بين السلطتين".  حملات التبريد، سواء مع ائتلاف "مبادرة" او الكتل الاخرى، يوفر للحكومة قدرة الدخول على الدورة الاستثنائية الثانية بشكل مريح.