الحكومة وثقة المواطن

د. هيثم أبو كركي* تابعت ردود الافعال على حزمة الاصلاحات الاقتصادية الخامسة التي أعلن رئيس الوزراء عن قرب إطلاقها مؤخرا، تراوحت ردود الافعال بين الاستهجان والسخرية وقدم البعض فصلا جديدا مغرقا بالتشاؤم، ناتجا عن عدم لمس آثار ما سبق هذه الحزمة من حزم اقتصادية، وأكاد أجزم أن العديد ممن انتقد الاجراءات الاصلاحية والحزم الاقتصادية لم يكلفوا انفسهم عناء تقييم آثارها بشكل موضوعي بل اكتفوا برفض كل ما تقدمه الحكومة بغض النظر عن محتواه، وأستذكر في هذا المقام تصريحات سابقة لوزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مفادها ان على الاعلام الرسمي العمل لكسب ثقة المواطن، وأعتقد ان المشكلة هنا تجاوزت الاعلام الرسمي لتبلغ حد عدم ثقة المواطن بكل ما تقدمه الحكومة. أتساءل عما اتخذته الحكومة من اجراءات لتعزيز ثقة المواطن الذي أرهقته الظروف المعيشية الصعبة والازمة اليومية الخانقة وبات يصبح ويمسي على الوعود بتغيير الأحوال وتحقيق النهضة والتقدم والمستقبل المشرق، والتي أصبحت مثارا للسخرية والتندر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يستحق وقفة مطولة من الجهات المسؤولة، ففي ظل ارتفاع فواتير الكهرباء الملحوظ تعد وزيرة الطاقة بتصدير الكهرباء للبلدان المجاورة، وفي هذا الاطار لابد من وقفة امام ملف الكهرباء. فعندما تزايدت الشكاوى المتعلقة بارتفاع فواتير الكهرباء ورافق هذه الشكاوى مطالبات بحل لغز فرق اسعار الوقود الذي حل كضيف غير مرحب به على فواتير الكهرباء تولت الحكومة مهمة الدفاع عن شركة الكهرباء وقدمت تبريرات على لسان الوزيرة كانت مادة خصبة للتندر والسخرية من قبل المواطنين على نطاق واسع، ومن ثم قررت الحكومة – صاحبة الولاية – ان تحيل المسألة برمتها لجهة محايدة محاولة كسب ما تبقى من ثقة الشارع بشكل يبين ان الحكومة أدركت تماما ان المواطن لم يعد يثق بما يصدر عنها من تصريحات. ومن ثم أطل مشروع التعديل الوزاري ليملأ الفراغ الاعلامي وتنطلق التحليلات والتقارير التي تتكهن بمن سيبقى ومن سيخرج ولتعيد للأذهان معادلات المحاصصة والمناطقية والتمثيل الجهوي دون ان يرى المواطن تقييما موضوعيا للأداء بناء على معايير منطقية قابلة للقياس او خطط مستقرة ثابتة تسير إلى اهدافها بغض النظر عن تغير الاشخاص وهو ما يؤدي بالنتيجة الاجمالية ألا يلمس المواطن أثر هذا التعديل من قريب او بعيد لأنه وبكل بساطة لم يلمس أثرا للتعديل السابق او التعديل الذي سبقه، وهو ما يوحي بانقطاع جسور الثقة بين المواطن والحكومة. إنني في هذا المقام لا أقلل من أهمية ما تقوم به الحكومة - في ضوء ما تملك من إمكانات - وإنما أشير إلى ان المواطن في الغالب الأعم بات يرفض كل ما يأتي من قبلها وهو مؤشر على انعدام ثقة المواطن بالأداء الحكومي وبما يصدر عنها من وعود، وهنا يجب على الحكومة ان تدرك ان الوقت قد حان لتغيير صيغة وطريقة الخطاب الحكومي وأدواته وأن تبين الحكومة ما حققته من نتائج وانجازات لوسائل الاعلام بشكل سيعزز مفهوم الشفافية ويعيد ما فقد من ثقة, وأن تدرك قبل أن تتوجه بالخطاب إلى وسائل الاعلام أن المواطن قد وصل إلى مرحلة يحتاج أن يلمس فيها تغييرا حقيقيا على اوضاعه اليومية، لا ان تكون الانجازات مجرد ارقام حكومية محفوظة في ملفات انيقة لا يلمس المواطن أثرها، بل يحتاج المواطن تغييرا يتمثل بانخفاض سلعة يومية يلمس أثر انخفاضها على مصروفاته او حبذا اختفاء بند فرق اسعار الوقود من فواتير الكهرباء، إن تكرار العمل بنفس الطريقة سيؤدي إلى نفس النتيجة وقد تغيرت الظروف ولا بد من ان يرافق هذا التغير تغيير في الاساليب لكي نصل إلى نتائج مختلفة. *باحث زائر بجامعة وسترن أونتاريو كندااضافة اعلان