"الحلم الشركسي": رقصات الفخار القفقاسية محمولة إلى ما وراء البحار

"الحلم الشركسي": رقصات الفخار القفقاسية محمولة إلى ما وراء البحار
"الحلم الشركسي": رقصات الفخار القفقاسية محمولة إلى ما وراء البحار

أقيم على مسرح قصر الثقافة وسط تفاعل أكثر من 1500 شخص

 

محمد جميل خضر                                          

اضافة اعلان

عمان- رغم عشرات سنين الارتحال عن الديار الرابضة فوق أعالي الجبال، ما يزال الشركس في مختلف جهات شتاتهم، يحافظون على ذاكرتهم الجمعية، ويتوارثون رقصاتهم وعاداتهم وحكايات مجدهم، والأهم من كل ما سبق لغتهم بمختلف تصاريفها ومفرداتها ولهجاتها.

وخلف البحر البعيد، هناك قريبا من بحر قزوين (الخرز) وبحار آوزوف ومرمرة وليس بعيدا عن البحر الأسود، كان الشركسي الشامخ باعتداده، يرى في تلك المساحة المشكلة وطنه نهاية العالم، قبل أن يرغمه الاضطهاد المتواصل على مدى عقود من اكتشاف أن ثمة حيوات وبلادا كثيرة خلف بحره الممتد بزرقته إلى ما لا نهاية.

وعبّرت رقصات وأغنيات فرقة الفلكلور الشركسي التابعة للنادي الأهلي، في الحفل الذي أقيم مساء أول من أمس على مسرح قصر الثقافة وسط تفاعل أكثر من 1500 شخص معظمهم من جيل الشباب، عن اعتداد الشركس بجذورهم وتراثهم، وحاكت أوجاعهم، وعكست طقوسهم في زمني السلم والحرب.

وبرشاقة لافتة ومهارات متعوب على إعدادها، وتنويع بالأزياء، قدم زهاء 30 شابا وشابة 10 رقصات تعود لأكثر من منطقة شركسية وقفقاسية وأبخازية، متصاحبة مع عزف آلات شركسية تراثية، فيما قدم الفنان علي خان مولييف أغنيتين (أرقصوا وغنوا وأخرى من أنواع الرثاء القفقاسي القديم)، وغنى أحمد أبش "تمارا" من تأليفه وألحانه بالاشتراك مع مهند ناسب، وقدمت بارينا أباظة أغنيتي "الأب" و"إلقاء السلام".

واستهل الحفل الذي أقيم تحت رعاية رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي، برقصة "القافه" إحدى أكثر رقصات الشركس عراقة وشيوعا، وعكست حركات الشباب والصبايا فيها اعتداد الشركسي بذاته، ونُسجت الجمل الحركية في رقصة الاستهلال بإتقان لترسم لوحات من الفخار الشركسي المتعانق مع أمواج البحر، وتقاطعت أزياء الصبايا مع زرقته. وكما لو أن قرونا من تاريخ الشركس انبثقت من الماضي، جاءت حركات الراقصين والراقصات وتماوجت بشموخ واثق.

وبعد أغنيتي علي خان مولييف (جاءت الأولى "ارقصوا وغنوا" إيقاعية ومتدفقة، فيما حملت الثانية خشوع لحظات الحزن وآهات الوداع)، قدم الشباب والصبايا "رقصة الجبليين" إحدى أكثر رقصات الحفل قوة وحيوية ورشاقة، وأظهر فيها كثير منهم ومنهن لياقة عالية ومهارة فذة، وتبادل الشباب والصبايا أدوار السيطرة والحوار الجسدي الراقص.

وتسابق ثلاثة عازفين على آلة الباربان (آلة إيقاعية من التراث الشركسي) إظهار مهاراتهم بالعزف، وقدم أحمد ناسب ومحمد نقور ومعتز شابسوغ فقرة "رقصة البربان" بفنية وقلبوا أحوال إحدى الآلات الموسيقية الأساسية في الفن والفلكلور الشركسي.

وبعد أغنية "تمارا" التي أداها أحمد أبش من تأليفه وألحانه بالاشتراك مع مهند ناسب، وهي الأغنية الشركسية الأولى من نوعها، حسب أبش، التي تؤلف وتلحن من قبل الجيل الشركسي الجديد (الذي ولد خارج الوطن)، قدمت "رقصة المرح" من قبل الشباب فقط، واستعادوا فيها بعض ألعابهم الشعبية ووسائل ترفيههم، تلتها مباشرة "رقصة الفتيات" التي وصلت خلالها فنيّات الحفل (في نهاية جزئه الأول) أعلى درجاتها من حيث التشكيلات الحركية والاستفادة من الإضاءة وتوظيفها دراميا ما انعكس على مجمل الرقصة التي بلغ التعبير الدرامي الراقص فيها قمته، وفي ختامها حملت صبيتان من المشاركات في الرقصة باقتي ورد وتوجهتا نحو المنصة الرئيسية مقدمتين واحدة لراعي الحفل وأخرى لعقيلته.

واستهل الجزء الثاني برقصة "شركسية أردنية" التي باستثناء اسمها لم تحمل سمات فلكلورية أردنية، وحافظ الراقصون والراقصات فيها (وكما في باقي فقرات الحفل) على أزيائهم التراثية وخصوصية حركاتهم الرشيقة على رؤوس الأصابع.

وقدم العازفون: محمد أبش (على البشنه/ آلة تشبه الأوركوديون كثيرا)، مهند ناسب (على الأوركوديون)، معن ناخوه ومحمد أنغوقة (على البَربان/ آلة إيقاعية)، إيهاب جانخوت (على البختشتش/ آلة إيقاعية) وأحمد أبش (على البخه/ آلة إيقاعية)، مقطوعات موسيقية غير متصاحبة مع الرقص، نوعوا فيها من طبيعة الألحان، وإن ظل اللحن السريع المتدفق بمساحة لحنية قصيرة هو السائد.

وتوالت في الحفل الذي امتد قرابة ثلاث ساعات الرقصات والأغنيات: "رقصة أبخازية"، "أغنية الأب" و"أغنية إلقاء السلام" بصوت بارينا أباظة الناعم والمعبأ بهواء الجبال العليل، "رقصة المحاربين"، "رقصة القامات" و"رقصة وج بخ إسلامية".

وكان ألقى نائب رئيس النادي الأهلي سمير جنكات في بداية الحفل كلمة استعرض خلالها إنجازات النادي خلال مسيرته الممتدة على مساحة 63 عاما (تأسس النادي في العام 1944)، وأفاد أنه ورغم الطبيعة الرياضية لنشاطات النادي، خصوصا أن مؤسسيه كانوا "ثلة من الشباب الرياضي"، كما جاء في كلمة جنكات، إلا إن الاهتمام بالمجالات الأخرى لم يتأخر كثيرا، حتى بات اسم النادي مقرونا بعبارة "نادي رياضي ثقافي اجتماعي"

وربط جنكات بين البازار السنوي الذي يقيمه النادي، وبين تحسن أحواله، ما مكنه أخيرا من بناء مقره الجديد على مساحة أرض تزيد على 23 دونما وتوديع المقر المستأجر من دون رجعة.

واستعرض جنكات في سياق متواصل مسيرة الفرقة التي تأسست العام 1993، ومشاركاتها المحلية والعربية والعالمية التي كان آخرها حفل في "عاصمة النور باريس" عندما أسهمت في إحياء ليلة فلكلورية أردنية أقيمت برعاية جلالة الملكة رانيا العبدالله.

وأشار إلى مشاركات الفرقة التي يدير شؤونها حاليا المهندس عبد الحميد أبزاغ ويصل عدد أعضائها إلى حوالي 50 شابا وصبية وبعض الفتيان الصغار، في أميركا والبحرين ورام الله، إضافة إلى مشاركاتها المحلية العديدة في مهرجان جرش وغيره ومختلف المناسبات الوطنية.