الحل السياسي والاقتصادي لا الأمني

تلجأ الدول المتحضرة إلى الحلول الأمنية في نطاقات ضيقة، بل وضيقة جدا تبعا لما لهذه الحلول من تداعيات، وتتحمل المؤسسات في القطاعين العام والخاص هناك مسؤولياتها تجاه ما يجري من أحداث ولا تلقي بثقل تلك الأحداث على الأمن وأجهزته. اضافة اعلان
لدينا الأمر معكوس تماما، فرجل التشريع والرقابة يتوارى خلف مطالب شخصية ذات بعد نفعي والمسؤول السياسي وزيرا كان أم دون ذلك، يكتفي بالقول إن الحوار لا يجدي مع هذا الطرف أو ذاك وإن الأمور محسومة – وهي غير محسومة – ويستسلم لما يجري من دون ان يكون له أي قوة تأثير في مسار الاحداث، وفي أحيان كثيرة يمارس المسؤول دور المتلقي او الذي يزيد الطين بلة وصولا الى لحظة صدام لا تعود إلا بالخيبات على المشهد كله.
ومثل الساسة، يقع رجال الاقتصاد اسرى لردات الفعل ويغيب عن أدائهم الابداع والنظرة الثاقبة، فهم يتأثرون ويلحقون بمسار الساسة على ضعفه في مرات عديدة ولا يعرفون ما الذي يجري حولهم، وأزمتهم الكبيرة -بل أزمة المجتمع كله- أن لديهم عزلة حقيقية عن محيطهم، وما قصة التهميش التي يروي فصولها أبناء الاطراف ويعبرون عن أنفسهم بكل مرارة وسقوف نقد عالية، إلا بعض من اخفاقات القطاع الخاص وعزلته ومثله القطاع العام.
إذا كان السؤال يتعلق بالجامعات، فالحل ليس بيد الأمن واذا كان شباب الحراك يرفعون من منسوب غضبهم وحنقهم ضد الفساد وفشل الدولة، فليس مطلوبا أن يتحول هؤلاء الشباب إلى مجموعة ملفات قضائية في نيابة أمن الدولة وعندما نتحدث عن التنمية وتحسين أوضاع المواطنين واستيعاب اعتصاماتهم وقضاياهم المطلبية، فيجب أن لا يتصدر الأمن المشهد لأن الاجابة على تلك الفئات ليست لديه، بل على العكس أن أفراد الأمن وهم أخواننا وأهلنا جزء من الشعب، يعانون ويتطلعون إلى حياة تساعدهم على تحمل صعوبات المعيشة. 
ووفقا للنسق الأخير، فإن غضبة شباب الطفيلة وعلو سقوفهم وهم الذين يشعرون بالتهميش والإقصاء انتهت إلى محاكم وسجون وملفات أمنية ومثلها تظاهرة المطالبين بالاصلاح في دوار الرئاسة السبت الماضي، وعلى هذا المنوال سيتحول كل من لديه صوت أو شكوى لاحقا إلى ملف أمني باعتبار أن الحل الأمني هو الحل، وليبقى رجال الاقتصاد والسياسة والمؤسسات برمتها بمنأى عن الحوار العقلاني الذي يمهد لبناء جسور ثقة بين من يصرخ ومن يسعى لفهم صراخه ويبحث عن حل يساعد الدولة وافرادها على تجاوز اللحظة الراهنة بكل تفاصيلها المقلقة.
ثمة فهم قاصر في بلادنا لادوار الساسة ورجال الاعمال والاكاديميين والنخب بشكل أوسع، فهي تواصل التفرج على مشهد متصاعد -قبل الربيع العربي- ويعتقد كثير من السياسيين أن مهمته تتلخص في أداء القسم قبيل التعيين وحضور الجاهات والمناسبات الاجتماعية وتزويد وسائل الاعلام بصورة لعطوفته أو معاليه وهو يبتسم منذ عشرين عاما.
ثمة حلول سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة تربوية وأكاديمية يمكن أن تخفف من منسوب الغضب في الشارع وتساعد في فتح حوار صحي يمهد الطريق للوصول إلى بر الامان، أما استسهال الحل الأمني، فمن شأنه أن يعقد الأمور ويعزز من بيئة الاحتقان ويضر الدولة وافرادها واقتصادها، ومن الخطأ أن نتوهم بأن لدى مؤسسة الأمن الكلام الفيصل والإجابات الشافية لأسئلة الشارع، وهذا بالأساس ليس دورها وإلا كانت الدولة لجأت الى حكومة أمنية يشارك فيها ضباط كبار من الدرك والامن العام والمخابرات، وبذلك نكون قد انتهينا من كل المشاكل التي تواجهنا!!

[email protected]