الحنين للماضي.. ذكريات بطعم السكر وأخرى بنكهة مرة

يحن كثيرون للماضي بحلوه ومره-(أرشيفية)
يحن كثيرون للماضي بحلوه ومره-(أرشيفية)

تغريد السعايدة

عمان- “لماذا يرتبط الحنين بالماضي بالحزن؟”، و”لماذا يحن الإنسان للماضي؟”، سؤالان يترددان كثيراً لدى عديدين ممن يستعيدون ذكرياتهم القديمة والحديث عن الماضي بكل لحظاته، سواء أكانت لحظات سعيدة أو حزينة.اضافة اعلان
ويرتبط كثيرون بماضيهم، حيث يستذكرون اللحظات الحميمة عند الحديث عن الذكريات القديمة، فضلا عن التسامر في ليالي الشتاء أو الصيف للحديث عن موقف حدث في أحد الأيام سواءً أكان مضحكاً أو مبكياً.
الأربعينية أم حسام، ترى أن الإنسان بطبعه “دائماً ما يتذكر الماضي ويتحسر عليه”، منوهة إلى أن طبيعة هذا الشعور يكمن في “حزن الإنسان على أيام لن تتكرر، بحلوها ومرها”، لافتا إلى أن كثيرا ما يتحسر الإنسان على العمر الذي مضى “دون أن يستغل تلك اللحظات لفرح أو ضحك”، على حد تعبيرها.
والحنين للماضي قد يرتبط بأشخاص، ربما يكونون غادورا الدنيا، أو لأشخاص اصبح الالتقاء فيهم “صعب المنال”، كما ترى أم أوس، فهي تؤكد أن الماضي عادةً ما يرتبط بأشخاص عزيزين على القلوب، وارتبطت بهم تلك الأحداث، لذلك قد يميل الإنسان إلى الحزن لارتباط الذكريات بهم.
وتقول أم أوس، وهي في العقد الثالث من العمر إنها تجلس مع نفسها لفترات طويلة وتتذكر الأحداث الجميلة التي مرت بها في حياتها، مثل صديقات الدراسة في المدرسة والجامعة، واللواتي تفرقن عنها لظروفهن العائلية والعملية، وهي ما تزال تتواصل مع بعضهن، ويلتقين بين الحين والآخر لتذكر الأيام الجميلة التي قضينها معاً، إلا أنها تؤكد أنها تتذكرها “بحزن وألم لأنها أيام لن تعود ولن تأتي مثلها”.
وتُظهر بعض الدراسات المستقلة، والتي أجريت على شريحة مختلفة من الأعمار، أن الأشخاص الذين في العقد الرابع من عمرهم، يميلون إلى التذكر واستعادة الذكريات القديمة، وتذكر ماضيهم الجميل بكل حيثياته وبساطته، ومنهم من يفتخر ويكرر الحديث عن الماضي، على الرغم من صعوبة أو قسوة الظروف التي يكونون قد مروا بها، وهي ليست حالة شخصية أو فردية، بل تنطبق على الكثيرين منهم.
كما بينت الدراسات أن الأشخاص الذين يصغرونهم بالعمر، أي في العقدين الثالث أو الثاني أو أقل من ذلك، يرون أن هذا نوع من الأمور غير المنطقية، فكيف يمكن للأشخاص أن يشعروا بالحنين لماض كان فيه الكثير من الإرهاصات والصعوبات المعيشية، ولا تتوافر فيه الكثير من وسائل الترفيه أو الأمور التي تسهل الحياة لهم، كما في التطور التكنولوجي الحالي.
وفي هذا الجانب، تقول الاختصاصية النفسية الدكتورة خولة السعايدة إن الإنسان بطبيعته يميل إلى التذكر والحنين إلى كل ما هو ماض، وسبب ذلك أنه بالفعل قد يكون مرتبطا بأشخاص وأفراد قد يكونون غادروا بأي شكل من الأشكال.
كما تبين السعايدة أن الذكريات بشقيها الحزينة والسعيدة لها تأثيرها الكبير في نفسية الإنسان وطريقة حديثه وتعبيره؛ لأنها تثير الحنين إلى الماضي الذي لا يعود، والأشخاص الذين فارقهم، إلا أن ذلك يجب ألا ينعكس سلباً على الفرد وأن يحاول أن تكون تلك الذكريات محفزا ودافعا لوجود أحداث جميلة في المستقبل.
وفي هذا السياق، تقول سهام محمود (27 عاماً) إنها تشعر بالاستغراب من والدها الذي كثيراً ما “يتحسر على الأيام الماضية”، على الرغم من صعوبتها وعدم توفر أدنى سبل الراحة والرفاهية لهم، ويزيد من استغرابها أن والدها أحياناً ما يبكي من شدة تأثره بالحديث عن الماضي وذكريات الطفولة التي ارتبطت في ذهنه بالبساطة والحياة البعيدة عن التعقيد.
وبحسب سهام، فهي ترى أن الذكريات الجميلة يجب أن تنعكس إيجاباً على الإنسان، كونه مرّ بذكريات جيدة في حياته الطويلة، سواءً أكانت في أيام الطفولة أو الشباب، وهي تحرص دائماً على التواصل مع صديقاتها في الجامعة، والحديث عن المواقف الجميلة التي حديثت معهن.
بيد أن سهام لا تخفي شعورها بالحزن، كون تلك الأحداث لن تتكرر مرة أخرى،
فـ “ملهيات الحياة والمسؤوليات أصبحت كثيرة ولا تدع مجالاً للالتقاء بالاصدقاء كالسابق”، بحسب قولها.
فيما يتحدث الأربعيني زياد فوزي عن تجربته الشخصية في هذا المجال، كونه ارتبطت ذكرياته بوالده ووالدته اللذين فقدهما منذ سنين، ولذلك، عندما يتذكر الأيام الجميلة في حياته يتبادر إلى ذهنه مباشرةً والداه والأيام التي قضاها معهما، ما قد يؤثر على الإنسان ويجعله يشعر بالحزن.
وفي هذا السياق يقول أستاذ علم النفس الأميركي ومؤلف كتاب “التشوق إلى الأمس دراسة في سيكيولوجية الحنين” الدكتور فرايد ديفينز، إن “للحنين إلى الماضي والذكريات الجميلة الدافئة أثرا فعّالا في مساعدة الإنسان بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة على مقاومة وعلاج الكثير من حالات القلق أو الحزن أو الشعور بالوحدة أو بعض حالات الاكتئاب التي أصبحت سائدة هذه الأيام بين النساء”.
ويؤكد ديفينز أنه وعلى الرّغم من بعض الحالات النفسيّة التي تسوء بفعل الحنين إلى الماضي ولكن في داخل النفس هناك لذة خاصة للماضي بغضّ النظر عن أحداثه أهي كانت جميلة أم حزينة؟ سيئة أم سعيدة؟، وهي ظاهرة عالمية ظهرت في الغرب والشرق كنوع من أنواع العلاج الذاتي للعديد من أمراض العصر التي لا علاج لها سوى العودة إلى الماضي، إذ أصبحت التكنولوجيا الحديثة وإيقاعها السريع يسيطران على كل كبيرة وصغيرة حتى في العلاقات العاطفية التي تتداول حالياً عبر شبكة الإنترنت.
ويستدل ديفينز بذلك من خلال انتشار ظاهرة اقتناء كل ما هو قديم من أثاث أو تحف، ليكون محفزاً للذكرى، إلا أن أطباء النفس يحذرون في ذات الوقت من طول فترة الحنين إلى الماضي؛ كي لا يغرق الفرد في أحلامه.