الحواجرة.. مسحراتي يصدح بصوته مستعيدا طقوسا رمضانية راسخة بالذاكرة

أحمد الشوابكة

مادبا- لم توقف جائحة كورونا المسحراتي الشاب محمد الحواجرة عن القيام بمهمته بالتجول في أحياء بلدة جرينة التي تقع في محافظة مادبا؛ لإيقاظ الأهالي من أجل تحضير السحور وتناوله، استعدادا ليوم صيام جديد.اضافة اعلان
وعلى مدى أربعة أعوام والمسحراتي الحواجرة (26 عاما) يجول ويصدح في أحياء البلدة بصوته، يرافقه الطبلة والعصا ليقدم السيمفونية الرمضانية "اصح يا نايم.. وحّد الدايم"، "رمضان كريم.. سحور يا عباد الله"، "تسحروا فإن في السحور بركة" على طريقته التي اعتاد أهالي البلدة سماعها منه، رغم الحداثة والتطور المستمر الذي يعيشه المجتمع.
ويعد المسحراتي من طقوس شهر رمضان المبارك، واعتاد الصائمون على سماع صوته وهو يصدح في أرجاء البلدة، ليعطيهم إشارة البدء بالتحضير وتناول وجبة السحور، كعادة وإرث باتا مهمين في هذا الشهر الفضيل، بحسب المسحراتي الحواجرة.
تبدأ جولة الحواجرة الليلية من منطقة الخطابية التي يسكن فيها سيراً على الأقدام، ماراً بالعديد من المناطق، منادياً بصوته والعزف على طبلته، أهالي تلك المناطق ليصحوا لتناول السحور، إلى أن يصل إلى بلدة جرينة التي تبعد عن مسكنه زهاء خمسة كيلومترات، فبحسبه "مهمتي كمسحراتي إيقاظ الأهالي لتناول السحور الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: "تسحروا فإن في السحور بركة"".
بإيقاع متناغم وبخطوات خفيفة مع إيقاع طبلته الذي يقطع سكون الليل، يجوب المسحراتي "الحواجرة" شوارع وحارات المناطق، ليدعو ساكنيها للاستيقاظ من أجل تناول وجبة السحور وتأدية صلاة الفجر.
ويؤكد: "ما يزال المسحراتي موجودا لدى عدد قليل من المناطق ووظيفته الأساسية ما تزال حتى الآن الإمساك بالطبلة والطرق عليها بالعصا والنداء وتترقبه العائلات في الأحياء في الشهر الفضيل، ليعيد لذاكرة أبناء المنطقة (جرينة)، ممن عاشوا فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، أجمل الطقوس الرمضانية".
وسط العتمة، كان يظهر خيال رجل يحتضن طبلاً ويسير في الشوارع قارعاً عليه، رافعاً صوته بنداءات الاستيقاظ وذكر الله، ومع كل مناداة على وقع الطبل، كان ضوء نافذة يستيقظ مشتعلاً، يستمر المسحراتي في مناداته على النائمين، إما بأسمائهم أو بصيغة جماعية.
وحين يقترب الشهر الفضيل من الانتهاء، تشوب نبرة صوته في المناداة مسحة حزن، لأن هذا الطقس الإيقاظي سينتهي بمجرد انتهاء شهر الصوم.
ويقول الحواجرة "ما إن يقترب موعد السحور، حتى أعد طبلتي وأهيئ نفسي لثلاثين يوماً أعمل فيها على إيقاظ الناس من نومهم لتناول السحور، من أجل صيام اليوم التالي براحة ودون عناء، اعتدت القيام بهذه المهمة منذ أربعة أعوام"، مضيفاً "حتى ولو تعجب الناس مني، وقالوا ما لهذا الرجل يجوب الطرقات ويحفظ تقليداً عفا عليه الزمن، إلا أنني أشعر بسعادة عارمة وأنا أؤدي مهنة المسحراتي".
وعلى الرغم من تغير العادات والتقاليد في زماننا وفي ظل وجود التلفزيونات، وأجهزة النقال والسهرات الممتدة حتى السحور، فإن الحواجرة يصر على تأدية هذا التقليد سنوياً في شهر رمضان، وهو إلى جانب عشقه للقيام بذلك، يرى في مهمته "واجباً… عسى أن ينفعني القيام به في آخرتي فيغفر لي ولأهلي ولسائر المؤمنين".
ويؤكد الحواجرة أن مهمة المسحراتي لا تقتصر على أداء واجب أو تقليد، بل إنها حالة، تتشكل في الوجدان الجماعي، لترسم صورة في مخيلة كل من عايشوه قبل ظهور وسائل الاتصال الحديثة.
ويشير إلى أن المسحراتي يحفر بالذكريات الدافئة الطيبة عن شهر الخيرات، كما يصفه الناس، فإن الحواجرة لا يتوقف عن الإعلان عن بهجته، وما تحمله له من ذكريات تلتصق به، مؤكداً بقوله: "أشعر بالمتعة عندما أتجول بين الحارات لأكثر من ساعتين، أمتلئ بنشوة حين أضرب على الطبل وأنادي الناس لتحضير الصيام".
والحواجرة حافظ طيلة مهمته على اعتنائه بهذا التقليد والقيام به، على أن تبدأ جولاته في ليالي شهر رمضان الفضيل من كل عام، عند الساعة الثانية فجراً، يبدأ بقرع طبله ثلاث مرات قبل بدء المناداة "اصح يا صايم وحد الدايم"، و"أهلاً يا رمضان يا شهر الغفران".