الحوار الوطني: نعم هو الحل للخروج من الأزمة.. ولكن توفير الضمانات مسؤولية الحكومة

الكثير من السياسيين يؤكدون أن الحوار الوطني حول قانون الانتخاب هو الطريق الأمثل للوصول إلى قانون ديمقراطي وعصري. ولكن هذه الخطوة تصطدم بالكثير من العقبات، وعلى رأسها أن مشروع قانون الانتخاب الذي أحالته حكومة عون الخصاونة إلى مجلس الأمة (والمرفوض من أحزاب المعارضة ومؤسسات مجتمع مدني عديدة)، يناقش الآن في اللجنة القانونية النيابية، وترفض قوى وأحزاب معارضة حضور هذه النقاشات، لقناعتها أن هذه النقاشات والحوارات النيابية لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية في النهاية.اضافة اعلان
هناك عدم ثقة بالحكومة والنواب وبتوجهاتهما الحالية والمستقبلية. وهذه تعتبر عقبة كأداء في وجه الحوار الوطني الذي تدعو إليه شخصيات سياسية وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني. ويبدو أن التغلب على هذه العقبة ليس عملا سهلا. فالحكومة وسياساتها على الصعيد الاقتصادي وفي ملف الإصلاح، غير مشجعة لهذه القوى والحراكات الشعبية. بل إن الحكومة بقراراتها الأخيرة ساهمت في تعميق الفجوة بينها وبين الأحزاب والقوى والشخصيات المعارضة.
ولكن، ومهما كانت الصعوبات، فإن على الجميع، وبالدرجة الأولى على الحكومة، إيجاد الحلول المنطقية والمقبولة. فالدوران في دائرة مفرغة لن يفيد الوطن، وسيزيد من الأزمة في المجتمع، ويفاقم المشاكل.
نظريا، نسمع الكثير من الحكومة عن قناعتها بالحوار وتحقيق الإصلاح، والخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولكنها، للأسف، لم تتقدم إلى الأمام بخطوات نوعية؛ فحافظت على طرحها المحافظ الذي يشير إلى عدم رغبتها في اجتراح اختراقات حقيقية في مواقف المعارضة.
فحتى الدعوة التي وجهها وزير الدولة للشؤون البرلمانية، كساب شراري الشخانبة، لأحزاب المعارضة للقاء رئيس الوزراء فايز الطراونة، لم تحمل في طياتها وجوهرها دعوة للحوار الوطني، وإنما جاءت على شكل معرفة كل طرف بوجهة نظر الآخر بشأن القضايا العامة. فالحوار الوطني حول أي قضية أو مشروع له آليات محددة وواضحة، متفق عليها بين أطراف الحوار، تضمن الوصول إلى نتائج إيجابية حول القضايا مثار الحوار والبحث والنقاش.
لا يوجد وقت طويل أمام الحكومة بخصوص قانون الانتخاب؛ فجلالة الملك حدد العام الحالي موعدا للانتخابات النيابية، والحكومة عليها العمل من أجل تحقيق ذلك. وباستثناء اختيار رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، لم تفعل الحكومة أي شيء آخر فيه إضافة نوعية على طريق إجراء الانتخابات النيابية. فالحكومة تركت مشروع قانون الانتخاب لمجلس الأمة ليقرر ما يراه مناسبا بشأنه، علما أن قوى حزبية مؤثرة لا تشارك في الحوار الذي تجريه اللجنة القانونية النيابية حول المشروع. كما أن الاتفاقات أو التوصيات التي ستصدر عن اللجنة القانونية بخصوص مشروع قانون الانتخاب غير ملزمة للنواب، والدليل على ذلك ما جرى مع التعديلات التي اقترحتها اللجنة على مشروع قانون الأحزاب، إذ رفض مجلس النواب غالبيتها.
الحوار ضروري، ولا يمكن قبول أي ذريعة من الحكومة للتهرب منه. وأي تباطؤ فيه لن يؤدي إلى نتائج إيجابية. لذلك، فإن الحكومة مطالبة بالدرجة الأولى بالتحرك الفاعل على هذا الصعيد، وبإمكانها فعل الكثير، ولكن يجب أن تتقدم بخطوات سريعة، ومن خلال رؤية واضحة، وإلا فإنها ستتحمل مسؤولية التباطؤ وعدم التقدم واستمرار الأزمة، والبقاء في المربع الأول.
القوى والأحزاب السياسية المعارضة لا تثق بأن الحكومة الحالية لديها توجه فعلي لتحقيق الإصلاح الحقيقي، وهي لذلك لا تثق بأي دعوة تطلقها الحكومة للحوار. وهذا الأمر يستدعي من الحكومة توفير متطلبات الثقة، من خلال تحديد الآليات، والالتزام بتطبيق وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه خلال الحوار الوطني.

[email protected]