الحوار بين الرئيس والناشطين

‏كانت فكرة اللقاء بالناشطين السياسيين الحراكيين فكرة جيدة ومتقدمة، ورغم أننا لم نعرف عما دار في الحوار بين رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز والناشطين "الحراكيين" سوى الفيديو الذي انتشر على قطاع واسع، فمن المؤكد أن الاستماع والحديث المتبادل خطوة سياسية واجتماعية مهمة وضرورية، ومن المؤكد بالطبع أن لدينا قائمة طويلة جدا لا تنتهي من المطالب والتصورات، ومن المهم أن ندرك الفرق بوضوح وواقعية بين تصورنا لما نحب وما يجب أن نكون عليه وبين تصورنا للواقع القائم، وفي ذلك نحتاج أيضا أن تكون مقاربتنا هذه للواقع القائم وما نريده مقاربة صحيحة وواقعية، لكننا على أي حال لم نعد نحتاج إلى مصادر ومعارف غير متاحة لننشئ خريطة طريق دقيقة وشاملة للإصلاح، لكن أيضا نحتاج إضافة إلى التظاهر والاحتجاج أن نجلس طويلا في غرف مغلقة ونضع بالورقة والقلم (أو التابلت) بيانات ومعلومات دقيقة وشاملة للحالة الإصلاحية القائمة والمتطلع إليها، في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والحريات والعدالة والكرامة والمساواة والنقل والزراعة والغابات والمراعي والبوادي والماء والطاقة والثقافة والإبداع والعمل والبيئة والمؤسسات العامة والأسواق والاستهلاك والخدمات والاتصالات والتمويل،.. وإذا لم نحول تصوراتنا ومطالبنا إلى خريطة واضحة مزودة بالبيانات والمعلومات والملاحظات فإن حراكنا السياسي والعام يتعرض للإجهاض والاستغلال والإفشال، ولسوء الحظ فإن الإصلاح مكلف ومؤلم وممل! والعمل العام منظومة من المكاسب والنجاحات الصغيرة والعملية والمتراكمة. ويجب ان يكون قائما على أهداف عملية محددة وواضحة. يتحرك الناشطون ويسعون للتأثير لأجل تحقيقها، ولا يمثل الاحتجاج والتظاهر بالنسبة للعمل العام سوى نسبة ضئيلة لا يعول عليها إلا لتنشيط العمل العام أو إعادته إلى الطريق الصحيح في التنظيم والتوازن والتأثير، وتظل الأنظار مركزة على التقدم والتحسن في المطالب وتحقيقها والأهداف العملية التي يتظاهر الناس ويعملون لأجلها! هكذا فإن المعارضة والتأييد ليستا سوى عمليتين متكاملتين وليستا متناقضتين وليستا بالضرورة إحداهما أو كلاهما بطولة أو خيانة؛ صوابا أو خطأ، لكنهما جدل في الفضاء العام، وأما المقياس الصحيح والعادل في المواطنة فهو أداء الأعمال والواجبات بكفاءة وأمانة وليس معارضة الحكومة أو تأييدها. فالمعارضون والمؤيدون مواطنون لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم. ويفترض ان السياسات والتشريعات تعكس اتجاهات وفلسفات سياسية واقتصادية سوف يكون لها بطبيعة الحال مؤيدون ومعارضون. والعبرة بتحسين الحياة ونمو الاقتصاد والمشاركة السياسية والاقتصادية لجميع المواطنين وأن تعود بالفائدة على جميع المواطنين. كما أن معارضة الحكومة ليست عمليات مواجهة شاملة أو عدائية أو جذرية، فنحن جميعا في فضاء عام نتجادل فيه ونتبادل الأدوار والمواقف، إن تحويل الاعتصامات والتظاهرات إلى عداء جذري هو عمل ضد الذات، ويجب القول أيضا إن الحكومة تتحمل مسؤولية في هذا الاستعداء والتشتيت للحراك الشعبي والعام، فإدارة الأزمة ليست صراعا بين عدوين، ولم تكن الاعتقالات على خلفية الاعتصام أو الرأي أو الشكاوى من الكتابة والنشر تخدم الحكومة ولا أحدا من المواطنين، ليست سوى أزمات جديدة مفتعلة تنشر الخوف في نفوس المواطنين، وهي سياسة عفا عليها الزمن ولم تعد تفيد في شيء سوى إنتاج العداوة والكراهية والتطرف والتعصب والتهميش والعجرفة والاستعلاء. ليس اللقاء بين الرئيس والناشطين نهاية المطاف ولا المظاهرات أيضا. فالعمل السياسي والعام يومي ومتواصل.‏ وبالطبع فإن التظاهر والمطالبة وسائر أنواع التأثير السلمية وغير المسيئة لأحد هي جزء من المواطنة والمشاركة السياسية والعامة. وهي ليست حالة دائمة فما من مواطن إلا ويجب ان يكون له اتجاه ووجهة نظر. ولا بد أنه وبطبيعة الحال يؤيد اتجاهات ويعارض أخرى في وقت واحد.اضافة اعلان