الحياة.. التي كالغمام!

ليس أكثر طمأنينة من أنك حين تضيق بك الدنيا، وتغلق في وجهك النوافذ، كلها... تكون واثقاً أن ثمة يداً، آخر الأمر، لن تبقى مكتوفةً، وستمتد لانتشالك!

اضافة اعلان

وأن ضوءاً لديك، تخبئه في حناياك، وتدّخره لوقت عصيب، سيضيء طريقك، إن أعتمت.

هكذا هي الحياة، تخبئ لنا من نلوذ به دائماً في مسالكنا الصعبة، ذلك الذي يُطلّ حين لا يُطلّ أحد، ويسارع للوفاء حين لا وفاء ننتظره من أحد.

الكفّ التي تهب لتقيل عثرتك إن عثرت، وتمدّ يد الغوث حين تتكاتف عليك الأزمات من كل جانب. من يلتفت حين لا يلتفت لك إخوة الدم والقريبون، ومن يسأل، ومن لا يهونُ عليه أن يلفّك الضيق ويغشاك الألم، ويصير يُسرك عُسرا.

حين تستعيد سيرتك المُضنية، بأيامها الكالحات، ترى كيف كان هو من يحيلها أياماً من المسرّة، ولن تغفرَ لنفسك إن أنت نسيتَ ذلك!

وإذ يضنيك الضنك الذي يملؤك، والذي يجعل النهار مثقلاً بالخيبات والليل نهبا للتفكير وكدّ الذهن والبحث عن كل الطرق للنجاة من الهمّ المقيم، الذي أحاطك أنى اتجهت، يتعاظم شعورك بأن منجاتك الوحيدة من هذا الهمّ هي هناك، في تلك اليد التي أسندتك حين تثاقلت خطاك، وفي تلك الروح الحانية التي ملأتك بالأمل، حين كان الكثيرون يسدّون طريقك، ويكيدون لك في الليل كيداً.

حين يهدّك صعود الجبل، وينهك روحك أن تتنكب المنكب الصعب، وليس لك من مخرج، وتصير الحياة ثقيلة الوقع على النفس، ويتناقص الهواء الصالح للنَفَس، ليس من منجاة ولا مهرب من هذا الشعور بالتورط، إلا أن تبحث بعينيك التائهتين عن "الطريق الخضرا" التي طالما دعت لك أمك بعد كل صلاة أن تكون طريقك .. الطريق التي مهدها رضاها، فكانت ليّنة دائماً، عطوفةً على خطاك، وتقودك للتوفيق مثلما ترجّت لك اللّه دوماً.

اليد التي امتدت في أشدّ الليل حلكة لتنتشلك إلى طريقٍ بالغ الضوء، وإلى يقينٍ يحميك من التيه والاضطراب واختلاط الصواب بالخطأ، والحقيقة بشبه الحقيقة، تشبه دائماً يد أمك المتوضئة!

فعلّق الآمال - كما علّقتها قبل ذلك وكما ستعلّقها مراراً - على الروح الصافية التي ما خذلتك يوماً، ولا غضّت الطرف عن رفّة عينك؛ حين ترفّ.

فالعينُ تغفو وتنام حالمةً بالضوء، الضوء الذي تصبّه لها يدٌ عادتها أن تُقطّر الضوء من مزراب البيت.

وها أنت مصاباً بالأمل تصير... مرّة بعد مرّةٍ بعد مرّة، حتى وأنت تنام في دوّامة من السهاد، وفي لجّةٍ من الشرود، يقضّ هدأتك أن الصحب تفرقوا، وأنها قد بردت قهوتك...

***

هي الحياة إذاً... تُمتعك حتى تظن أنها خُلقت فقط لتظل راقدةً مثل طائر الحظ على نافذتك، وتلوّن أيامك بالبهجة حدّ أن تظنّها دانت لك، ولن يقطفها من بين كفّيك أحد!

وفي ساعةٍ تشقيكَ، إن قست، حتى تظنها لم تكن هي الرؤوم كأمٍ قبل قليل، ولم تكن هي التي أفاضت عليك من نعمائها، وأحاطتك بحنوّ، وغمرتك بدفء.

هي الحياة، مثل الغمام، في متنه كل الخير، لكنه أنّى لنا أن نقبضه - وهو المراوغ - بيدنا!

[email protected]