الحياة على الجانب الآخر: يوميات مريضة بالسرطان

قبل أن تخرج إلى أحد المطاعم لتناول طعام العشاء برفقة عائلتها، تتمايل فرحا أمام المرآة، وهي ترتدي أجمل ما لديها من ثياب، وتضع قليلا من مساحيق التجميل على وجهها النقي الملائكي. في داخلها تعلم أنها تحب نفسها كثيرا، وتحب هذه الحياة.اضافة اعلان
في كل مكان تحل فيه تملؤه بالضحك، وتحيل جوّه إلى فرح بعفويتها الكبيرة، مضفية عليه من روحها، ومؤثرة بإيجابية في جميع الموجودين. تعيش لحظاتها بسعادة، وعلى قاعدة “عيش يومك وكأنه اليوم الأخير بحياتك”.
هي مصابة بسرطان الثدي، ومع ذلك لا تعتقد أن أيامها قليلة، بل تدرك أنها مقاتلة عنيدة، وتمتلك إرادة صلبة لهزيمة هذا العدو بكل لعناته.
ولأنها هي من تقرر حياتها، وترفض أن يتدخل فيها أحد، أو يملي عليها شروطه، فإنها تعيش كما تريد، وبما يمنحها البهجة في حياة تعلم أنها مهما امتدت تظل قصيرة.
تعلمت أن عليها أن تنتهز كل فرصة لكي تعيش الفرح والسعادة، وأن تحب كل ما تملك. نظرتها تغيرت كثيرا إلى كل ما حولها، فباتت تنتبه إلى أشياء صغيرة لم تعتد أن تلاحظها، وأصبحت تشعر بقيمة أمور كثيرة لم تعرها انتباها قبل مرضها، وأكثر من ذلك، أصبحت تسامح وتعبر عن مشاعرها بصدق لكل من حولها.
اكتشفت مرضها بمراحل مبكرة، وخضعت لعلاج طويل أملا بالشفاء، العلاج الكيماوي هزم شعرها وأسقطه، ورغم كل ذلك رفضت أن تواري آثار الهزيمة، وتضع شعرا مستعارا، فهي تحب شكلها، رغم الاختلاف الذي طرأ عليها، وتصر على أن تخرج وتواجه الحياة كما هي.
ولأن الحياة تعطي بقدر ما تأخذ، وجدت عائلة تساندها؛ تقف إلى جانبها، تدعمها وتشجعها، وتخفف من الآمها، وتدفع بها للأمام، وتجابه معها الدنيا وما فيها. حين تشعر بالضعف يزرعون القوة بداخلها، وعندما تجتاح الأوجاع جسدها، تجد من يشاركها الألم ويحاول التخفيف عنها. هذا هو محيطها العائلي الداعم الرئيس لها منذ بداية معرفتها بالإصابة بالمرض، مرورا بجميع محطات رحلة العلاج.
رحلة العلاج طويلة، تتشابه فيها مع 1074 سيدة أخرى أصيبت بالمرض، بحسب آخر إحصائيات السجل الوطني للسرطان للعام 2014. عاشت خلالها لحظات صعبة وأخرى يتجدد فيها أمل بالشفاء.
ومع إصرارها ألا تحاول أن تخفي مرضها، وأن تواجه العالم كما هي؛ بضعف جسدها وقوة روحها؛ بألمها وأملها، إلا أنها، للأسف، وجدت عالما خارجيا يتقصد، أحيانا، إيذاءها نفسيا، ويتجرأ على التدخل وطرح أسئلة لا تحترم خصوصيتها. دائما ما تتعرض لمثل تلك المضايقات حين تخرج للترفيه عن نفسها.
النظرات تلاحقها يرافقها استغراب وتساؤلات صامتة تخرج كالسهام الحارقة من عيون كثيرين في أي مكان ترتاده.
المسألة لا تقف عند هذا الحد، فآخرون تصل فيهم الجرأة للجلوس على طاولتها وسؤالها بشكل مباشر: “بشو أنت مريضة؟ ليش شعرك وقع؟ والله انك جريئة اللي قادرة تطلعي بدون شعر؟ شو قلك الدكتور؟ في أمل ولا خلص؟ عندك أولاد؟ الله يعين أهلك على هالمصيبة”، وغيرها من العبارات التي تخلو من اللباقة والكياسة واحترام الخصوصية. لم يكن يعنيها كل ذلك. ثقتها بنفسها تدفعها للإجابة عن أسئلة المارة مع ابتسامتها الواثقة.
رغم كل الأوجاع الخفية، ما تزال تتمسك بالحياة. تعيشها بكل ما أوتيت من قوة وأمل. تعلمنا أننا نملك ذخيرة جمالية تنعش أرواحنا. هي حالة صمود ومقاومة بنظرتها الوردية التي لم تتغير للحياة، بل على العكس تماما، فقد ازدادت قيمة الحياة في نظرها، وأصبحت تتشبث بها بكل قوة.
هذه الحالة، تتماشى مع فكر البرنامج الوطني لسرطان الثدي بحملة “فكر بالوردي”، التي كانت دعوة لكل فئات المجتمع لتكاتف الجهود وإجراء الكشف المبكر لسرطان الثدي. “افحصي.. وطمنينا” شعار أسري سيبقى حاضرا بيننا، كي تبقى قلوب من نحب نابضة فينا، وتبقى أيديهن الحنونة تضفي الأمان على أرواحنا وفي زوايا بيوتنا.