الخدمات العامة.. أنا ما دخلني

في بلادنا لا تخضع الخدمات التي يتلقاها المراجع او الزبون للمؤسسات الخدمية والتجارية لمعايير او اسس بالرغم من حرص إدارات هذه المؤسسات على تضمين منشوراتها واعلاناتها لبنود تتحدث عن اصول واسس التعامل مع العملاء والمراجعين والزبائن ونوعية ومستوى الخدمات المقدمة لهم والمعايير المتبعة في نقلها وتقديمها.اضافة اعلان
من الممكن ان تراجع مؤسسة ما وتنهي الاجراءات اللازمة لإنهاء المعاملة خلال ساعة او اقل في حين قد يمضي شخص آخر ثلاثة او اربعة اسابيع وهو ينتظر انجاز نفس المعاملة. هذه الحالة لا تقتصر على مؤسسة بعينها بل هي ظاهرة تلمسها في غالبية الدوائر والمؤسسات. الخدمات التي تقدمها الدوائر والمرافق الأردنية تتباين تباينا واضحا فهناك خدمة ممتازة واخرى متوسطة ويوجد خدمات يصعب ان تجد لها تصنيفا.
جودة ونوعية الخدمات تعتمد إلى درجة كبيرة على العلاقة بين مقدم الخدمة وطالبها. فإذا ما راجعت مؤسسة او دائرة خدمية او سيادية فيمكن ان تحظى باستقبال جيد وخدمة نوعية سريعة او يمكن ان يجري تجاهلك وتحويلك من مكتب إلى آخر ومن الممكن ان يجري تقاذفك بين مكاتب الدائرة لينتهي يومك بالتأجيل إلى موعد جديد.
بالرغم من قدم المؤسسات وكثافة التدريب ووجود الآلاف ممن يحملون مؤهلات عالية في علوم الادارة الا ان نوعية الخدمات التي يتلقاها الناس في الدوائر والمؤسسات لا تتأثر كثيرا بعوامل التأهيل والتدريب بمقدار تأثرها بأخلاق وقيم وعلاقات الموظف. اينما ذهبت ومهما حاولت التطوير والتجميل للممارسات القائمة فما تزال الخدمات التي تتلقاها في الكثير من مؤسساتنا تعتمد على مستوى معرفتك بالعاملين وتأثيرك الاجتماعي ونفوذك المالي.
خلال الاشهر الاخيرة باشرت الحكومة بإعداد وصياغة بعض التدخلات الهادفة إلى إحداث التغيير في واقع الاقتصاد والإدارة والمزاج الشعبي العام بما يؤثر ايجابا على علاقة الدولة بالمجتمع. الكثير من الاجراءات المتخذة حكومية تناولت الاستثمار والعقار ودمج المؤسسات وزيادة الدخل وتجويد نوعية الخدمة التي يتلقاها المواطن. على اهمية الاجراءات والحاجة لها فمن غير الممكن ان تتغير العلاقة بين الدولة والمواطن بدون ان يلمس المواطن التغير في اتجاهات الموظفين نحو العمل وإقبالهم على خدمة المراجع وتقديم الخدمات بروح ومهنية مغايرة لما هو موجود اليوم.
في العديد من مؤسساتنا يمضي المسؤول وقته في متابعة مصالحه وهمومه الشخصية في حين يلجأ البعض إلى تسخير الموقع العام وما فيه من سلطة لتعزيز نفوذه ومصالحه فيقدم الخدمات النوعية للاشخاص والمؤسسات التي قد ينتفع منها او يود تطوير علاقته بها كاستثمار مستقبلي يبدأ بعد انتهاء عمله العام.
في غياب الفلسفة الواضحة للخدمة العامة وربطها بمفاهيم الحقوق الواجب تقديمها للمواطن واخضاع الموظف والمسؤول للمساءلة في حال التأخر او التقصير والاهمال , فستبقى المواقع الادارية والخدمية نوافذ يستخدمها الافراد الشاغلون لها للممارسة سلطات منحت لهم لمنفعتهم ولحسابهم ويتجبرون من خلالها بالمواطن الذي لا حول له ولا قوة.
كلما حاولت التفكير بما يجري في مؤسساتنا تذكرت صورة الطفل الذي سأله الناس عن من قام باصطياد عصفور الجيران فأجابهم وهو يظهر اندهاشه " انا ما دخلني..محمد اللي قتله". في تلك الايام استبعد الناس ان يكون شخصا بهذه البراءة قاتلا. المدهش ان الطفل اعترف لإحدى محطات التلفزة التي سألته عن الحادثة بعد مرور عشر سنوات على ظهور الفيديو الأول بأنه هو الذي اصطاد العصفور وانه اراد ان يورط احد ابناء حارته فتظاهر بالبراءة.