الخروج من مأزق البطالة المرتفعة

لم تكن مؤشرات البطالة للربع الأول من العام الحالي مفاجئة لمختلف المراقبين والمتابعين المستقلين للسياسات الاقتصادية بشكل عام وسياسات العمل بشكل خاص التي تطورها وتنفذها الحكومة.اضافة اعلان
وصول معدلات البطالة الى 19 %، وبين النساء 29 %، وبين الشباب من الفئة العمرية 20-24 عاما من غير الجالسين على مقاعد الدراسة 39 %، نتيجة طبيعية لعدم فاعلية مختلف هذه السياسات.
مؤشر البطالة كأحد أهم المؤشرات الاقتصادية التي تقيس تعافي الاقتصادات الوطنية، يؤشر بوضوح على أن الاقتصاد الوطني ليس بخير، باعتبار أن توليد فرص العمل الكافية هو نتاج مختلف السياسات الاقتصادية الكلية والقطاعية التي طبقتها الحكومات بما فيها الحكومة الحالية.
يستسهل العديد من المسؤولين الحكوميين تحميل عبء ارتفاع مؤشرات البطالة الى الظروف الإقليمية الصعبة، التي تحول دون دفع عجلة الاقتصاد الأردني للخروج من حالة التباطؤ التي يعيشها منذ سنوات، ونحن لا ننكر صحة جانب من هذه الفرضية، ولكن الركون اليها وحدها لا يفسر المسار التصاعدي الكبير لمؤشرات.
لم تخرج سياسات مكافحة البطالة الحكومية منذ أكثر من عشر سنوات على دائرة حملات التشغيل ومعارضها، وعلى مشاريع التشغيل التي تعتمد على تدريب الشباب والشابات على المهارات اللازمة لشغل عشرات المهن التي تعمل فيها العمالة المهاجرة (الوافدة)، وآخرها "برنامج خدمة وطن" الذي بدأته الحكومة الحالية في بداية العام الحالي.
لم تحاول الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية، الاقتراب في تدخلاتها من المساحات التي نعتقد أن العمل على إصلاح بعض السياسات الناظمة لها، سيؤثر بشكل فعال على وضع حد لتنامي مؤشرات البطالة المختلفة.
من هذه السياسات تحفيز نمو الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات عبر مراجعة سياسات الأجور، والتي تشير مختلف الإحصاءات الرسمية إلى أنها منخفضة جدا، ويكفي الإشارة الى أن ما يقارب 50 % من القوى العاملة المنظمة دخلها الشهري أقل من خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية في الأردن التي تقارب خمسة أفراد.
هذه الدخول المنخفضة تنعكس تلقائيا على تراجع الإنفاق، وبالتالي مزيد من الضغوط على النمو الاقتصادي وإبقائه في حالة تباطؤ، خاصة وأن معدلات أسعار غالبية السلع والخدمات في الأردن أعلى من مثيلاتها في دول أخرى مستويات الأجور فيها أعلى كثيرا من الأردن.
إضافة الى ذلك، تأتي سياسات التعليم التي لعبت دورا مهما في تفاقم معدلات البطالة؛ حيث كانت وما تزال عمليات التوسع في التعليم الجامعي منخفض الجودة على حساب التعليم المتوسط والفني والمهني، تدفع باتجاه المزيد من الخريجين الى صفوف المتعطلين عن العمل.
وما يزال التعليم الفني والمهني في الأردن قاصرا على رفد سوق العمل بما يحتاجه من أيد عاملة مؤهلة، بالرغم من كل ما كتب في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية عن أهمية هذا المسار. فمدخلات التعليم المهني من الطلبة ما تزال ضعيفة جديدة -الطلبة الذين يخفقون في تجاوز المرحلة الأساسية بنجاح- وبالتالي فهو مسار "موصوم"، يعزف عشرات آلاف الطلبة عن الالتحاق به.
كذلك لم تذهب الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية باتجاه تحسين شروط العمل في القطاع الخاص -على الأقل لتتساوى مع شروط العمل في القطاع العام- لكي نخفف من اندفاع الشباب والشابات نحو الوظائف الحكومية المختلفة، بحثا عن شروط عمل أفضل من حيث الضمان الاجتماعي والتطور والاستقرار الوظيفي والإجازات بمختلف أنواعها.
خلاصة الأمر، بدون إجراء تغييرات ملموسة في السياسات التي دفعت معدلات البطالة الى هذه المستويات القياسية، ستستمر هذه المعدلات بالارتفاع، وكل حكومة ستلوم الحكومة التي سبقتها، وفي النهاية المجتمع هو من يدفع الثمن.