الخضور يتحدى الشلل الرباعي بتقنيات الحاسوب

الشاب محمود الخضور- (من المصدر)
الشاب محمود الخضور- (من المصدر)

ربى الرياحي

عمان-الغد- عناد محمود الخضور ورهانه على أن يكون مختلفا بقدراته، التي تتحدى جهل المجتمع وإجحافه في حق أشخاص يقدرون أنفسهم جيدا، ويؤمنون بأن الحياة قادرة على أن تضيء في طريقهم شموع الأمل والإصرار، حرضه على أن يتحرر من قضبان الإعاقة وينطلق نحو أهدافه الكبيرة وأحلامه التي لا تقبل الترويض، ومكنه من التميز دراسيا، ومن ثم العمل في أكبر شركات البرمجة في الشرق الأوسط والتابعة للأستاذ بشار حوامدة.اضافة اعلان
يقول الخضور إن إصابته بالشلل الدماغي "تقلص رباعي مع نطق"، لم توقف رغبته في أن يعيش الحياة محبا متفائلا، ويوجد لنفسه تلك المساحة التي يستطيع من خلالها أن ينثر في زواياها كل ما يطمح إليه ويتمناه.
ويتابع حسب تعريفه الخاص، أن إعاقته باختصار، هي أنه يفتقد القدرة على المشي، لكن نظره حاد كالصقر، لا يستطيع الكلام لكن سمعه قوي كالأرنب، حركة جسمه بطيئة نسبيا، لكن حركة عقله سريعة كالفهد.
ويضيف "جميعنا بدون استثناء نمر بصعوبات تقلقنا، تؤثر علينا، وأبرزها المجتمع الجاهل الذي يتفنن في وضع العراقيل أمامه، بدلا من تقليصها والعمل على تذليلها، كمحاولة لمساعدته ومنحه القوة، لكي يستطيع التركيز على أهداف تأبى أن تحجم أو ربما تغتالها تعقيدات الحياة".
ويقول "عند دخوله الثانوية العامة واجهته عقبة البطء في الكتابة، وعليه، لا يستطيع خوض الامتحان بالوقت المحدد،
لكن الخضور لم يستسلم، بل اختار أن يناضل من أجل الوصول إلى حقه المشروع في إكمال دراسته، ولجأ للمجلس الأعلى لشؤون المعوقين، فكانت مقابلته مع الأمير رعد طوق النجاة بالنسبة له، كونها حلت له مشكلة كبيرة تمس مستقبله، وذلك من خلال كتاب وجهه الأمير رعد لوزير التربية والتعليم الذي استجاب على الفور، وأعطاه نصف ساعة إضافية لمدة الامتحان. رهانه على تميزه وإصراره على إثبات أحقيته في التقدم للامتحان كلها مسوغات ساعدت محمود على أن يقرأ ما بين السطور جيدا، ويتأكد من أن أنصاف الحلول مبدأ غير مجدٍ، فنحن لكي نكون أقوياء نثور لإنسانيتنا ولأحلامنا لا بد لنا أن نؤمن أولا من الداخل بأننا نستحق أن نعيش متتبعين ذلك الوهج الذي يدعونا لأن نبرز كل ما لدينا من طاقات".
ظل الخضور مقاوما لكل التحديات، واستطاع أن يجتاز المرحلة الثانوية بمعدل 67.7 الفرع العلمي والالتحاق بالجامعة العربية المفتوحة التي تخرج منها في صيف 2017 ليكون بذلك أول حالة إعاقة كاملة في الوطن العربي حاصلة على بكالوريوس معتمد من بريطانيا/ تخصص تقنية المعلومات، والمحوسبة بتقدير جيد.
اليوم الخضور يكمل دراسة الماجستير تخصص قيادة الإدارة التربوية، ويستلهم من ظروفه الخاصة الصبر والعزيمة على تحقيق الأفضل دائما، حصوله على معدل امتياز يمنحه كامل الثقة بأن الخطوات حتى وإن تعثرت لا بد لها أن تعاود اتزانها مرة أخرى، ما يجعله أقدر على توجيه البوصلة نحو الطريق الصحيح والشعور بمتعة الرحلة لكونها تحفر في أعماقه أهمية المطالبة بالحرية، التي تمكنه من أن يتحلل من حماقة بعض العقول وسخافاتهم.
وعن عمله في أكبر شركات البرمجة، يقول "لم يكن الأمر هينا أبدا، فأنا ككثيرين ممن يبحثون عن العدالة في تقييم قدراتهم قررت أن أطلق صرخة الحق رغم صمتي أن أصنع مستقبلي بيدي، ويكون لي الفرصة لكي أكافئ ذاتي بعيدا عن قيود تقتل فينا حبنا للارتقاء والتحليق عاليا هناك فوق قمم النجاح والتفرد بإنجازات ما كان لها أن تكون لولا الإرادة".
ويتابع "الفضل في توظيفي بعد الله، يعود إلى الدكتور سليم شريف من إذاعة يقين الذي لم يتردد في أن ينقل معاناتي إلى المسؤولين، وفعلا بادروا لمساعدتي، إيمانا منهم بأن لي حقا في أن تقدر إمكاناتي ويسلط الضوء على مكامن الإبداع لدى فئة طموحة تريد فقط أن تنصف إنسانيا وفكريا".
لكن العقبات لم تتوقف عند ذلك الحد، بل كانت مصرة على تقييد حريته وإشعاره بالعجز رغم أنه يهوى التحدي ومعاندة المستحيل. حاجته لفتح حساب لم تشفع له لم تكن مبررا قويا ينقذه من تعقيدات المعاملات البنكية وقصورها تلك التي تجرده هو وإقرانه من السلطة الكاملة على أموالهم وتحرمهم من أن يكون لهم خصوصية كغيرهم.  الخضور نجح في أن يخلق لنفسه حيزا خاصا يرسم ملامحه على امتداد خطوط الأمل تلك التي تشحذه معنويا وتدفعه لكي يقود عجلة التغيير ساعيا لإيجاد مجتمع أكثر إنسانية ومساواة قادر على استيعاب المختلف وتقبله وإعطائه كل الضمانات، ليغدو متميزا بتفكيره.. بتطلعاته.. بصموده في وجه كل المحبطين.
لقد أراد من خلال كتابه "خربشات متمردة" نقد كل القضايا التي تخص ذوي الإعاقة بصورة فلسفية وتجميعها في مقالات وخواطر تستحق أن تقرأ ويتم الكشف عن كل ما هو في الخفاء، كتلك التفاصيل الدقيقة التي يتجاهلها الكثيرون أو ربما لا يتوقعون وجودها أصلا. كما أنه صاحب مبادرة "أنا زيك"، و"حقي مثل حقك" التي تختص بالشؤون النفسية والتربوية والاستشارية لذوي الإعاقة.