الخطأ والخطيئة

منذ أن وضع الإنسان بصمته الأولى على الأرض، كان محكوما على الدوام بثنائية الصواب والخطأ. هو في الاساس محكوم بالتجريب، وما يرافق هذا التجريب من عدم القدرة على التصرف بموضوعية أو بمنطق في جزء من الحالات، ولعل هذا الأمر ما أفرز لديه سلوكيات أو قرارات بعيدة عن الصواب.اضافة اعلان
هذا أمر مفهوم بالنظر إلى العوامل العديدة التي تحكم صناعة القرار، والتي لا يكون العقل هو المؤثر الوحيد فيها، بل تدخل الغريزة والمشاعر والظروف والبيئة المحيطة، وربما غيرها من العوامل.
في هذا السياق، نحن نتحدث عن قرارات وسلوكيات ظرفية محكومة بتلك العوامل، لكن الأمر المهم هو أن مبدأ التجريب لدى الإنسان يقوده في العادة إلى ثقافة تطوير آليات الفهم، وبالتالي تحسين عملية اتخاذ القرار، مقربا إياها في كل مرة من المفهوم المنطقي والقدرة على أن يكون على صواب، وهو مفهوم من المهم أن يقترب من طبيعة التجارب العلمية التي تعتمد التجريب والقياس والصواب والخطأ.
في كل مرة نخطئ فيها، يعني الأمر أن تجربة حياتية تضاف إلى رصيدنا المعرفي، وبالتالي، من المهم ألا نعيد الخطأ نفسه، بل نتعلم درسا مهما في كيفية تجنبه، لكن، وبالنظر الى مروحة واسعة من السلوكات البشرية وتعقيداتها، والتي تفتح الباب أمام آفاق واسعة للخطأ. ربما نقع في خطأ جديد بشكل شبه يومي، فما دامت الحياة تتحرك إلى الأمام، فمن الطبيعي أن تعني تلك الحركة تعقيدات ومعارف جديدة يمكن أن نسقط في اختياراتها اليومية!
هذا أمر خاص بالمعارف الجديدة، والاختيارات التي لم نعتدها من قبل، ولكن ما الذي يمكن أن نقوله في مسألة الوقوع بالخطأ نفسه مرات عديدة؟! أو ما الذي يمكن أن نفسر به استمرارنا في الخطأ نفسه شهورا أو سنوات؟!
ببساطة، هذا الأمر خارج عن سياق التجريب أو الوقوع في الخطأ بلا وعي، بل هو استمرار للنمط الذي نسيّر حياتنا فيه. هو ركون إلى أن ذلك النمط هو الطريق المناسب لسلوكياتنا، وبالتالي حتى المسائل الجوهرية، بما تتحمله من جوانب أخلاقية أو لا أخلاقية، يتم التواطؤ عليها، ونبدأ بـ"تنميطها" ضمن خانة "المقبول"، وبالتالي قبولها، ومن ثم تقبلها بـ"طبيعية" في دواخلنا، وصولا إلى جعلها أمرا عاديا جدا إلى درجة يمكن القبول بها والدفاع عنها، أو عما تمثله بالنسبة إلينا، أو على الأصح عما تمثله بالنسبة إلى فئة قليلة لا تحتكم إلى العقل أو المنطق في تسييرها دفة حياتها وخياراتها في الحياة، واختياراتها للطرق.
يمكن القول، وبكل تأكيد، إن هذه الفئة البشرية هي من أخطر ما يمكن أن يقابله الإنسان في سياقات حياته، فأولى ملامح خطورتها هي أنها ذكية، وتستطيع أن تدير النقاش - حتى لو لم يكن منطقيا - حول حقها في السلوك مثار الجدل، مرجعة ذلك دائماً إلى إشكاليات تحاول أن تجعلها موضوعية ولكنها، والأخطر، أنها تحاول دائماً أن تبدو بدور الضحية، فسلوكها كله تحاول تبريره برد الفعل، والذي ما كان ليكون كذلك لولا ظلم حقيقي وقع عليها!!
بالإمكان القول إن هذا النوع هو من أخطر الأنماط البشرية، لأنه لا يتورع أبداً عن تبرير أي سلوك له، مهما بدا غير أخلاقي، والأهم أنه لا يلجأ إلى الخطأ كنتيجة حتمية للوقوع بين براثين الاحتمال، بل هو يقترفه عن سابق إصرار وترصد، لأنه يدرك أن باستطاعته تدبر تبرير ما على سلوكه الشائن أو الجرمي!
هؤلاء شريحة ذكية. الأمر الأخطر أنهم استخدموا ذكاءاتهم العديدة لكي يدمروا جميع الفضائل بسبب قدرتهم غير المتناهية على تبرير جرائمهم أو سلوكياتهم غير الأخلاقية!!