الخطة الوطنية لحقوق الإنسان تلزم الحكومة بتعديل قانون الجمعيات

نادين النمري

عمان- يترقب المجتمع المدني الإعلان عن الآلية الجديدة للتمويل الأجنبي، إذ يأمل خبراء أن تأتي هذه الآلية، والتي شكلت لجنة في رئاسة الوزراء مؤخرا لوضعها وفق إطار قانوني عصري يضمن استقلالية عمل المجتمع المدني، بما يتوافق مع معايير الشفافية والحوكمة.اضافة اعلان
وأعلنت الحكومة عن الآلية الجديدة للتمويل الأجنبي مطلع الأسبوع الحالي بعد توقيف العمل بكتاب كان قد صدر منتصف الشهر الماضي من خلال تعميم للبنك المركزي باشتراط الموافقة المسبقة لفروع الجمعيات الأجنبية العاملة في الأردن من الجمعية الأم، وهو القرار الذي أثار حراكا في القطاع الاجتماعي لجهة المطالبة بإلغائه كونه "يشكل قيدا جديدا على حرية عمل الجمعيات في المملكة الى جانب تعطيل عمل هذه المؤسسات تحديدا ذلك أن نسبة كبيرة من التمويل المتأتي من الجمعيات الأم هو لغايات المصاريف التشغيلية والأجور".
وكان البنك المركزي عمم على البنوك العاملة في المملكة نهاية الشهر الماضي فتوى من ديوان الرأي والتشريع طلبتها الحكومة عبر وزارة التنمية الاجتماعية تقضي "باشتراط حصول فروع الجمعيات الأجنبية في البلاد على موافقة مسبقة للتمويل من الجمعية الأم".
واعتبرت الفتوى أن نص المادة 17 من قانون الجمعيات ينطبق على فروع الجمعيات المسجلة في الأردن عند حصولها على التمويل من الجمعية الأم، بخلاف ما كان معمولا به منذ أعوام سابقة حيث لم تكن تخضع لشرط الموافقة والرقابة، لكن الحكومة عادت وطلبت توقيف العمل بالتعميم لحين صدور الآلية الجديدة للتمويل الاجنبي.
ورغم ارتياح فروع منظمات المجتمع المدني الأجنبية العاملة في الأردن وعدد من المنظمات المحلية للقرار، لكن منظمات مجتمع مدني محلية أخرى اعربت عن استيائها من استمرارية "الكيل بمكيالين" في التعامل مع القطاع الاجتماعي، معتبرة انه "في حين تستمر تضييقات على عمل منظمات المجتمع المحلي، فإن الحكومة "تتعامل بتساهل أكبر مع الجمعيات الأجنبية"، مشددة في ذات الوقت على "ضرورة فتح ملف قانون الجمعيات بما يضمن تعزيز حرية تكوين الجمعيات وعملها والحد من التدخلات الحكومية تحديدا في عمل المنظمات المحلية".
وتقول الجهات الرسمية إن الآلية الجديدة ستضمن تسريعا وتسهيلا لإجراءات الحصول على التمويل سواء أكان للجمعيات الوطنية أم فروع الجمعيات الأجنبية، لكن لم يعرف بعد ما إذا كان سيستمر التمايز في التعامل بين الجمعيات الأجنبية والوطنية لجهة الحصول على التمويل أو ما إذا كانت هذه الآلية ستأتي كتعديل لآلية التمويل الأجنبي التي وضعتها وزارة التنمية الاجتماعية في العام 2015 ام ستكون ضمن تعديلات مقترحة على قانون الجمعيات.
ورغم عدم ورود أي معلومات أو تصريحات رسمية عن تعديل قانون الجمعيات، لكن الخطة الوطنية لحقوق الانسان تضمنت التزاما حكوميا بتعديل قانون الجمعيات بحلول العام الحالي ليكون القانون "متوائما مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن".
ورغم عدم تضمن الخطة لتفاصيل حول البنود الواجب تعديلها في القانون، لكن مختصين يشيرون الى أن أبرز التعديلات المطلوبة تتعلق بضرورة توحيد المرجعيات التي تنضوي تحتها جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
ويتوقع مؤسس ومدير مركز الفينيق للدراسات الاجتماعية والاقتصادية أحمد عوض ان يتم فتح ملف تعديل قانون الجمعيات خلال فترة قصيرة، معتبرا ان أي تشريعات جديدة تخص عمل مؤسسات المجتمع المدني وتنظيمها "يجب ان تكون من خلال قانون واضح".
وأشار إلى أن "المطلوب اصلاح منظومة عمل وتمويل الجمعيات في الاردن وفق الممارسات الفضلى في العالم ووفق المعايير الدولية المتعلقة بالحق في التنظيم".
وأضاف "يعتبر الأردن من الدول القليلة التي تفرض قيودا ورقابة مسبقة على عمل الجمعيات، بحيث تصبح هذه الرقابة بَعدية، ففي حال ارتكبت هذه المؤسسات اي مخالفة يتم محاسبتها عن طريق القضاء"، داعيا الى "تحويل نموذج الرقابة المسبقة التي تمارس على الجمعيات في الاردن الى رقابة بعدية وإعادة بناء قانون الجمعيات بمزيد من معايير الحوكمة وليس معايير تقييدية".
أما مدير مركز حرية وحماية الصحفيين نضال منصور فيؤكد من جانبه "ضرورة الخروج بقانون موحد ومظلة موحدة لمؤسسات المجتمع المدني تحت اطار قانون عصري يدعم ويؤمن استقلالية لعمل المجتمع المدني بما يتوافق مع المعايير الدولية".
ويقول "لا بد من تطوير حوكمة قطاع المجتمع المدني وهذا جهد مطالبة به مؤسسات المجتمع المدني من خلال تقديم نماذج بناءة بالالتزام بقواعد الشفافية والإفصاح".
ويتفق منصور مع عوض في الرأي بخصوص آلية الرقابة، موضحا "أي توجه في الآليات الجديدة بالتعامل مع الجمعيات يجب أن يذهب باتجاه الرقابة اللاحقة وليس فرض موافقات مسبقة على المجتمع المدني سواء أكان محليا ام أجنبيا، ووفق ذات الالية التي يتم التعامل بها الشركات فمن يخالف القانون يحال إلى القضاء".
ويدعو منصور الحكومة الى إعداد دراسة تبين أثر المشاريع التي تقوم بها مؤسسات دولية وكذلك دراسات من المنظمات الدولية لتقديم توصيات تعزز من فاعلية المشاريع الموزعة لداخل الأردن، "مع التأكد من بعض الافتراضات والانطباعات المتعلقة بمدى فاعلية هذه المشاريع وتأثيرها على أرض الواقع".
من جانبها تبين مديرة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية سمر محارب أن "الإشكالية في العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني لا تنحصر على جزئيات التمويل أو الموافقات وإنما كيف نتطلع الى العلاقة مع المجتمع المدني هل هو جزء من السلطة وصناعة القرار ام هو مجرد مؤدي خدمة نحتاج له لتجميل صورة الديمقراطية والواقع الخدمي".
وتتابع محارب، "فيما يخص التعامل مع المجتمع المدني نرى التضييق على عمل منظمات المجتمع المدني المحلية ومقابل ذلك هناك تذبذب في التعامل مع المنظمات الدولية بين التشدد أحيانا والتراخي احيانا أخرى، وهي قرارات غالبا ما يتم اتخاذها دون دراسة الأثر"، موضحة أنه "في ملف التعامل مع المنظمات الاجنبية من المهم أن يكون القرار مبنيا على أثر التمويل لبرامج هذه المؤسسات على الأردن".
وتختلف محارب في الرأي مع منصور وعوض فيما يتعلق بالمتابعة القَبْلية، وتقول "التخطيط القَبْلي والتوافق على الاستراتيجيات والأولويات هو امر ضروري قبل السير في مشاريع المنظمات الدولية وذلك لضمان ان تكون هذه المشاريع ضمن الاولويات الوطنية وأثر قيمة التمويل الكلي على الأردن".
وترى مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة لندا كلش أن ملف الجمعيات "لا يقتصر على مسألة التمويل وإنما بالحاجة لإعادة فتح ملف تنظيم عمل مؤسسات المجتمع الدولي طبقا للاتفاقيات الدولية بحيث تضمن الآلية الجدية لتكوين الجمعيات وعملها باستقلالية مع التأكيد على مبدأ الرقابة البعدية اكثر من القَبْلية".
وبخصوص التمويل، تؤكد كلش ان "من الضروري ان يكون لدى الدولة علم بالأموال المتأتية من التمويل الاجنبي، لكن الأصل ان يكون ذلك عبر الإشعار وليس اشتراط الموافقة سواء أكان ذلك للجمعيات المحلية أم الاجنبية وعلى حد سواء".
وتتابع "في وقت ندعو للإشعار في المرحلة القَبْلية لكن الرقابة يجب ان تكون بَعدية بحيث ستتم المحاسبة في حال تمت مخالفة معايير الحوكمة والشفافية".
وفي وقت ترى كلش صعوبة في أن تنضوي جميع مؤسسات المجتمع المدني تحت قانون واحد كون جزء منها مسجلا كجمعيات وجزء آخر كشركات غير ربحية لكن هناك حاجة لمظلة موحدة تتعلق بالموافقة على التمويل بحيث توحد هذه المظلة في التعامل ما بين مؤسسات المجتمع المدني سواء كانت وطنية أو أجنبية.