"الخط" الصحراوي

ارتبط "الخط" الصحراوي الذي يمر من خمس محافظات، ويربط العاصمة عمان بالعقبة جنوبا، بذاكرة مزعجة للكثير من الأردنيين. فالعشرات كانوا ضمن قائمة الضحايا سنويا لهذا الطريق غير الآمن، بسبب تشققاته وتشوهاته؛ وكم فجعت عائلات بعد سقوط وفيات أو مصابين على جنباته!اضافة اعلان
بدأ العمل بالطريق الصحراوي قبل نحو ستين عاما، واستمر لثلاث سنوات، وفقا لشكله الأولي. وفي ثمانينيات القرن الماضي، أعيد تجديد وتعبيد أجزاء كبيرة منه. وقبل عشر سنوات، شهد صيانة لم تكن كافية. وفي كل هذه العقود، بدا هذا الخط الصحراوي شاحبا ومقلقا، وميدان اختبار مفتوح لقصر يد التنمية في تحقيق شبكة مواصلات وطرق تليق بالتطور الحاصل في البلاد على المستوى الاقتصادي.
رغم المطالبات المتكررة بإصلاح الطريق الذي حصد مئات الضحايا، إلا أن إيقاع الحكومات المتعاقبة تجاهل كل هذه الأصوات والنداءات. وقد سمع الأردنيون الكثير عن "خطط" الحكومات لإصلاح هذا الطريق الدولي منذ سنوات بعيدة، إلا أن ملفه كان يطوى، ليعاد استحضاره من الأدراج، ثم يطوى من جديد. هكذا، حتى تعرض السفير الفرنسي في عمان وعائلته لحادث سير على جنباته، ما رفع وتيرة الشكوى في وسائط التواصل الاجتماعي، وجعل الأمر أولوية للحكومة الحالية، وسط تصريحات تفيد بأن إصلاحه سيتم في غضون الأشهر المقبلة.
نتمنى السلامة للسفير الفرنسي وعائلته، ولكل من يسير بمركبته على هذا الطريق الدولي. ويبقى السؤال: هل كانت تنتظر الحكومة أن يزهق الطريق أرواح شخصيات سياسية أجنبية، بعد أن فعل أفاعيله بالأردنيين المتجهين إلى الجنوب أو العائدين إلى عمان؟ وفي المعنى ذاته، ألم تتشكل قناعة لدى الحكومة وأجهزتها المعنية بالبنية التحتية، بأن سلامة الأردنيين على الطرقات مسألة لا تقبل الجدل أو التأجيل أو التسويف أو التذرع بنقص الأموال؟
كان حريا بالحكومة بعد أن أصبح الطريق الصحراوي موئلا للمركبات والشاحنات في السنوات الخمس الأخيرة، بسبب انسداد الحدود الشرقية والشمالية للبلاد، أن تستعد لضمان السلامة على هذا الطريق، فنسبة مرور الشاحنات عبر "الصحراوي" بلغت في الآونة الأخيرة 50 % من إجمالي المركبات المستخدمة لهذا الطريق.
قبل أربعة أشهر، وافقت الحكومة على اتفاقية منحة مشروع إعادة إنشاء وتأهيل الطريق الصحراوي، بعد توقيعها بين الجانبين الأردني والسعودي؛ إذ يساهم الصندوق السعودي للتنمية بمبلغ 65 مليون دولار لتسريع إنجاز الطريق خلال العام الحالي، في فترة أقصاها نهاية العام المقبل. والمأمول أن يتم تسريع هذه الصيانة التي تحتاج 170 مليون دولار. وأعلنت الحكومة أن تمويل هذا الأمر سيتم من خلال قروض ميسرة، فضلا عن جزء من المنحة الخليجية، وتحديدا الصندوق السعودي. علما أن المسافة التي ستتم صيانتها تمتد لنحو 200 كيلومتر، وجزء منها يبدأ بعد مطار الملكة علياء في العاصمة، وصولا إلى مشارف النقب في محافظة العقبة.
يرافقك على امتداد الطريق اليوم لون التراب، ويملأ العين مشهد التصحر. والأهم من ذلك أن أرواحا أزهقت على امتداد هذا الطريق. ولم ينجح قطاعنا الخاص في زراعة جوانبه، كما أخفقت الحكومة الحالية -وحكومات متعاقبة- في مساعيها لتأهيله. وهذا ما دفع أردنيين إلى استغلال الحادثة التي تعرض لها السفير الفرنسي لتسليط الضوء على هذا الوجع الأردني المفتوح!