الخلافات السياسية تعطل اختيار أمين عام جديد لمنظمة "اوبك"

الخلافات السياسية تعطل اختيار أمين عام جديد لمنظمة "اوبك"
الخلافات السياسية تعطل اختيار أمين عام جديد لمنظمة "اوبك"

لهب عطا عبدالوهاب*
كما هو معروف، أصبح منصب الأمين العام لمنظمة الأقطار المصدرة للبترول، أوبك، شاغراً منذ مطلع كانون الثاني (يناير) 2013، وهو المنصب الذي كان يشغله بامتياز وللسنوات الست الماضية، الليبي، عبدالله البدري، إذ تنص اللوائح الداخلية للمنظمة على ان منصب الأمين العام هو لثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.اضافة اعلان
إن البحث عن مرشح جديد يحظى بالاجماع حسب لوائح المنظمة، بحيث يتم التوافق عليه، لايبدو سهل المنال لاسيما وأن هناك خلافات سياسية "متجذرة" بين الدول الأعضاء، لاسيما الأعضاء الكبار وهم على التوالي كل من السعودية وايران والعراق وفنزويلا.
يذكر ان أوبك التي شهدت ولادتها الأولى في بغداد العام 1960 وتتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً لها، تضم في عضويتها اليوم 12 دولة هي كل من: الجزائر وأنغولا وأكوادور وإيران والعراق والكويت وليبيا ونيجيريا وقطر والسعودية والامارات العربية المتحدة وفنزويلا.
ويكتسي منصب الأمين العام للمنظمة أهمية كبيرة نظراً للدور المناط به لتثبيت الاستقرار في الاسعار وبث الطمأنينة في الأسواق العالمية، من خلال بث رسالة مفادها أن أوبك تعمل في كامل طاقتها القصوى لضمان مقابلة الطلب العالمي الآخذ في الاضطراد. وتلعب هذه العوامل مجتمعة (الركود أو الانتعاش) في تحديد مسار نمو الاقتصاد العالمي اذ أن النمو في الناتج المحلي الاجمالي GDP يعد المحرك الرئيسي للطلب العالمي على النفط.  
الاستقطابات داخل أوبك
إن أحد المواد المنصوص عليها في اللوائح الداخلية للمنظمة، هو تحقيق الاستقرار في الاسواق العالمية من خلال "تثبيت الاسعار" "stabilization of oil prices" ما يوحي بأنه "سعر مستهدف" لدى المنظمة، وأن هناك "آلية" للتأثير على الأسعار من خلال التأثير على حصص الإنتاج داخل المنظمة – علماً بان الانتاج الحالي للمنظمة يقترب من 31 مليون برميل يومياً أو ما يعادل ثلث الانتاج العالمي البالغ 90 مليون برميل يومياً أو توظيف الطاقة الإنتاجية الفائضة لديها، والمتاحة حالياً بشكل "حصري" لدى السعودية، كما يمكن أن تضم العراق في المدى المتوسط مع الزيادة المتوقعة في إنتاجة.
إن الوصول لسعر مستهدف لدى الاقطار الأعضاء، يشوبة قدر كبير من الضبابية، اذ أن لدى كل دولة على أنفراد سعر مستهدف لمعادلة الايرادات والنفقات في موازنتها العامة – فالسعودية على سبيل المثال لديها سعر مستهدف لايقل عن 85 دولاراً للبرميل، في حين تسعى كل من إيران والاكوادور للحصول على سقف سعري لا يقل عن 100 دولار للبرميل لتحقيق التعادل في موازنتهما العامة.
ان هذا "التنافر" بين الدول الاعضاء تعود جذوره إلى ثمانينات القرن الماضي إبان ما يعرف بـ فترة "الركود التضخمي" والذي كان من نتائجه الانخفاض الحاد في أسعار النفط نتيجة لتخمة المعروض في الاسواق. وهناك اليوم استقطاب حاد داخل المنظمة بين ما يطلق عليهم "الحمائم" تتزعمه كل من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ودولة الكويت، حيث تعمل على إبقاء الاسعار ضمن نطاق سعري مقبول، إذ ترى هذه الدول في ارتفاع الاسعار بشكل كبير ضاراً للنمو في الاقتصاد (العالمي) كما أنه يضر بمصالح الأوبك على المدى الطويل لاسيما إذا ما أفضى الارتفاع في الاسعار إلى أحداث تغيرات هيكلية داخل الصناعة النفطية، منها، التحول نحو بدائل آخرى للوقود الاحفوري مثل الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
في المقابل هناك الفريق "المناوئ"،ان صح التعبير المعروف بـ "صقور المنظمة" بزعامة كل من إيران وفنزويلا، حيث تتطلع هذه الدول إلى تصدير أقصى ما يمكن من نفوطها لقاء أعلى سعر ممكن دون الاخذ في الاعتبار آثر ذلك على الدول المستهلكة لاسيما الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان الوصول إلى إجماع حول القضية الرئيسية (أي الاسعار) هو من الصعوبة بمكان، فكيف يمكن أذن الوصول إلى آلية تحظى بإجماع الدول الأعضاء. وهناك خلافات تاريخية داخل المنظمة والتي ستواجه الأمين العام الجديد وهي نفس المشاكل التي واجهت سلفه، إذ ان الخلافات التاريخية بين السعودية وايران تزداد تعقيداً لاسيما في ظل قيام السعودية بزيادة إنتاجها لمقابلة النقص في الامدادات نتيجة الحظر الأوروبي على الصادرات الإيرانية والتي دخلت حيز التنفيذ في يوليو (تموز) من العام 2012 المنصرم. كما أن علاقات العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأعضاء في المنظمة مع الدول النفطية الأخرى مثل نيجيريا وفنزويلا والعراق ليست على أحسن ما يرام. ان هذه الأمور مجتمعة تجعل من أي مرشح جديد لشغل منصب الأمين العام للمنظمة بالاضافة إلى ما يتطلبه المنصب من خبرات فنية كبيرة، فإن المنصب يتطلب كذلك من شاغره أن يكون على درجة عالية من الدبلوماسية والكياسة للأخذ بدقة المنظمة إلى بر الأمان.
الخشية من "تحطيم" الطلب
إن الارتفاع الحالي في الاسعار سيكون له تأثيران رئيسان. أما التأثير الأول فهو ما يعرف في أدبيات الطاقة بتدمير أو تحطيم الطلب "oil demand destruction".
إذ نجد أن الطلب على النفط قد بلغ ذروته في الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وينسحب الامر كذلك – وان بدرجة أقل – على الاقتصادات الناشئة. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن 68 % من النمو في الطلب العالمي خلال الفترة الممتدة بين العام2009 لغاية 2035 سيتركز في دول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD–non اذ ستستأثر دول الشرق الاوسط والهند والصين بالنصيب الأوفر. أما التأثير الثاني للأرتفاع في الاسعار فهو أنتقال العديد من الاقتصاديات في الدول الناشئة من سياسة دعم المحروقات إلى الانتقال تدريجياً نحو تحرير أسعار الطاقة لتتوافق مع أسعارهاالسائدة في الاسواق العالمية. وهو ما شهدته كل من الهند أعتباراً من العام 2002 والصين بدءاً من العام 2009، كما أن هناك عددا من الدول في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا تدرس هذا الخيار بجدية.
وستؤدي هذه الاجراءات إلى الحد من النمو في الطلب. على سبيل المثال، قامت المملكة الأردنية الهاشمية في نوفمبر 2012 بتحرير أسعار المشتقات النفطية للحد من التضخم الكبير في فاتورة محروقاتها والتي تربو على 4 مليارات دولار ما فاقم من العجز في موازنتها العامة.
وهناك احتمال من أن تؤدي الزيادة في الاسعار إلى زيادة في الامدادات، وسيتأتى ذلك من التطبيقات التقنية المرتبطة بما يعرف بـ "ثورة الغاز الحجري" shale gas revolution التي تشهده الولايات المتحدة حالياً بالاضافة إلى التطور الهائل في انتاج النفط من مصادرغير تقليدية. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فأن الولايات المتحدة ماضية قدماً نحو تحقيق أستقلالها الذاتي في انتاج النفط خلال العقد القادم. وهناك "طرفة" تتداول بين المراقبين في أسواق النفط مفادها أن ولاية داكوتا الشمالية ستصبح العضو الـ13 الجديد في منظمة أوبك لاسيما وأن انتاجها يزيد عن أنتاج أكوادور العضو الجديد في المنظمة والبالغ 500 ألف برميل يومياً!!
الخلاصة فإن محنة أوبك يمكن إيجازها على النحو التالي: ان حكومات دول الاوبك بحاجة ماسة إلى زيادة في عائداتها النفطية والتي تمكنها من الاستمرار في مشاريعها التنموية التي من شأنها الحد من أي اضطرابات سياسية واجتماعية محتملة. بيد أن ذلك لا يتأتى الا مع بقاء الاسعار مرتفعة والتي ستفضي على المدى المتوسط إلى الحد من الطلب العالمي والى ترشيد الاستهلاك وزيادة الاستثمار في بدائل الطاقة المتجددة لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، علماً بإن الاتحاد الاوروبي، قد حدد هدف الوصول إلى انتاج الكهرباء أعتماداً على طاقة الرياح بنسبة تصل إلى 20 % من الطاقة لديها وذلك بحلول العام 2020.
المرشحون لشغل منصب الأمين العام
هناك أربعة مرشحين لشغل منصب الأمين العام للمنظمة هم كل من:
• غلام حسين ناصري، المرشح الإيراني، وهو وزير نفط سابق.
• الدكتور ماجد المنيف، المرشح السعودي المستشار الحالي لوزير البترول والثروة المعدنية والمندوب السابق لدى المنظمة.
• ثامر غضبان، المرشح العراقي، وهو وزير نفط سابق (2004 – 2005) والرئيس الحالي لهيئة المستشارين المرتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء نوري المالكي.
• ويلسون باستور موريس، مرشح الأكوادور والذي يشغل حالياً منصب وزير الموارد الطبيعية. وكما أسلفنا فإن منصب الأمين العام يستوجب الحصول على إجماع الدول الأعضاء، وحيث أن هناك خلافات شديدة بين السعودية وايران من ناحية والسعودية والعراق من ناحية أخرى فمن المستبعد جداً أن يحظى المرشح الايراني أو المرشح العراقي بموافقتها. ويبقى مرشح الاكوادور الأوفر حظاً بين المرشحين بالرغم من أن أكوادور تعد من أصغر الدول المنتجة داخل المنظمة وقد أنضمت إليها العام 2007 بعد أن وصل إنتاجها إلى 480 ألف برميل يومياً.
ولحين الوصول إلى اتفاق يحظى بالإجماع، ارتأت المنظمة تمديد ولاية البدري لسنة إضافية تنتهي في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2013 في سابقة لم تألفها المنظمة من قبل.


*باحث عراقي متخصص في شؤون الطاقة