الخل والزيت في علاقة المدرسة والبيت (3-2)

د. ذوقان عبيدات

(1)
في المقالة السابقة حول الخل والزيت في علاقة المدرسة بالبيت، تم التأكيد على أن التعليم يتطلب إتقان مهارات خاصة بهذا العمل. وأن كثيرًا من المعلمين أنفسهم، لا يمتلكون هذه المهارات. ربما لأنهم لم يعدّوا أصلاً، أو أن إعدادهم لم يكن فعالاً، أو أن ظروف العمل اللوجستية لا تمكنهم من الأداء والإنجاز. وهذا يعني أن كلا الطرفين الأهل والمعلمين قد لا يمتلكون ما يحتاج إليه الطلبة من مهارات تحفز تعلمهم!اضافة اعلان
والعلاقة بين المدرسة والبيت علاقة شائكة على الرغم من فوائدها الواضحة، فكلا الطرفين يجب أن يعملا معًا لا أن يتناوبا العمل أو يتوزعاه: ما للمدرسة للمدرسة وما للبيت للبيت!
فالشكل الأول تاريخيًا لهذه العلاقة كان تفويض البيت للمدرسة للقيام بجميع الأعمال: أضرب، علّم، نجّح، رسّب. فما يريده الأهل التعليم بأي ثمن. وكان لهذا الشكل نتائج عديدة أهمها: هروب معظم الطلبة وعدم إكمالهم التعليم لقسوة الحياة المدرسية.
أما الشكل التاريخي الثاني، فهو تكرّم المدرسة بدعوة الأهالي للدخول إلى المدرسة لمشاهدة معارضها وملاعبها واحتفالاتها. وكان الشعار يومها: تعالوا . شاهدوا هذا ما نفعله من أجل أبنائكم.
والشكل الثالث كان دعوة الأهل للمشاركة في نشاطات المدرسة تحت شعار: تعالوا.. اعملوا معنا… هذه مدرسة ابنائكم. لكن هذه الشراكة لم تنجح. ولم يُلبِّ الأهل دعوة المدرسة لأنهم بدأوا يشعرون أن المدرسة تريد أن تتخلى عن مسؤولياتها وتفوض الأهالي بتعليم ابنائهم. والطلب منهم دعم المدرسة ماديًا!
(2)
لماذا رفض الأهالي التعاون مع المدرسة؟
أسجّل في البداية تفاوتًا بين المجتمعات في الاهتمام بهذا التعاون، لكن تعاني المدرسة في العالم من نقص تعاون الأهل. ويظهر ذلك في فشل مجالس الآباء والمعلمين، وعدم استجابة الأهل. لا نبحث في أسباب الفشل فهي معروفة: استعلاء المدرسة، ظروف دعوة الأهل، عدم وضوح مجالات التعاون.
في الأردن فشلت هذه المجالس، حتى في المدارس الخاصة حيث يزداد اهتمام الأهل وتقل قدراتهم وأوقاتهم. وقد بحثت بعض المدارس عن حل لهذا التعاون، فعملت ما يسمى اليوم المفتوح للاجتماع في يوم واحد مع العديد من الأهالي كأفراد لا جماعات. ولم يكن ذلك مجديًا أيضًا. فلجأت المدارس إلى التواصل الالكتروني مع الأهالي، واقتصر هذا التواصل على تبادل المعلومات – ولو باتجاه واحد – لإبلاغ الأهل بما على ابنائهم من واجبات بيتية!
وبقيت مشاعر عدم رضا الأهل عن المدرسة وبقي تذمر المدرسة من انعدام استجابة الأهل. ويعمل الأهل والمعلمون حاليًا بمشاعر بعضها سلبي. وسأقدم الآن خلاصة دراسة استطلاعية أجريت لغايات هذه المقالة.
كيف تشعر المدرسة تجاه الأهالي؟
تم إعداد استبانة خاصة، وزعت على المعلمين والمعلمات بهدف معرفة ما يأتي: -كيف ينظر الأهل إلى أنفسهم؟ -كيف ينظر الأهل إلى المدرسة؟ - ماذا يريد الأهل من المدرسة؟ -ما موقف الأهل من الواجبات والامتحانات؟ -بماذا يهتم الأهل: الشخصية أم العلامات؟
وفيما يأتي خلاصة هذه النتائج حسب سنوات خبرة المعلم، حيث قسمت العينة إلى معلمين بخبرة أقل من عشرة سنوات ومعلمين بخبرة أكثر من عشرة سنوات.
1 - اتفق المعلمون من مختلف الخبرات على أن الأهالي لا يطلبون مزيدًا من الامتحانات. وهذا يعني أنهم يشعرون بكفاية الامتحانات الحالية أو عدم اهتمامهم بها أصلاً.
2 - اتفق المعلمون من مختلف الخبرات أن الأهالي يطلبون منهم إعداد واجبات بيتية لأبنائهم. وكان الطلب بدرجة متوسطة.
3.يشعر المعلمون من مختلف الخبرات بأن الأهل يطلبون منهم التعامل مع أبنائهم بحزم، حيث كان الطلب بدرجة متوسطة. بينما يطلبون منهم التعامل مع الأبناء برقة، وكان الطلب بدرجة عالية. فالأهالي يريدون رقة أكثر من الحزم.
4 - يرفض الأهالي أن يتعامل المعلمون مع أبنائهم بقسوة.
5 - يشعر المعلمون أن الأهالي يتدخلون في خصوصيات المعلم وكان هذا الشعور بدرجة متوسطة.
6 - يشعر المعلمون بأن معظم الأهالي يعتقدون أنهم خبراء تربويون بدرجة عالية.. ولذلك يحاولون فرض وجهات نظرهم.
7 - ان درجة قبول الأهالي بتقييم المعلمين لأبنائهم. كانت متوسطة حيث يعتقدون أن أبناءهم أفضل مما يحصلون عليه من تقييم.
8 - يتفق المعلمون من مختلف الخبرات أن الأهالي يفضلون بدرجة عالية أن تركز المدرسة على الدراسة أكثر من نشاطات البحث والتفكير.
9 - لا يشعر المعلمون بأن الأهالي يمتلكون الوقت الكافي للاهتمام بدراسة أبنائهم.
10 - يشعر المعلمون من ذوي الخبرات القليلة أن الأهالي يهتمون بالعلامات أكثر من شخصية ابنائهم بدرجة متوسطة بينما يشعر المعلمون الأكثر خبرة أن الأهالي يركزون على العلامات بدرجة عالية أكثر من تركيزهم على نمو شخصية الطالب.
(3)
تحليلات واستنتاجات
إن تفحص هذه النتائج قد يقود إلى الاستنتاجات الآتية:
1 - هناك فجوة بين المدرسة والبيت. وأن اهتمامات البيت تختلف عن أولويات المدرسة، وهذا يعكس صعوبات في شرح الفلسفة التربوية للمدرسة. فالأهالي يريدون واجبات وعلامات. والمدرسة تريد شخصية وتفكيرًا وبحثاً.
2 - يشعر المعلمون بتدخل الأهالي في شؤون فنية ليست من اختصاصهم. ويعتبرون ذلك تدخلاً في شؤونهم.
3 - يتعالى بعض الأهالي كثيراً على المعلمين – في المدارس الخاصة- ويشعرون بأنهم هم دافعو الرواتب للمعلمين. وهذا احساس – ربما- نما بعد قضايا الضريبة والإحساس بأهمية دافع الضرائب.
ما المطلوب؟
للأهالي الحق في مشاعرهم قطعاً فهي خلاصة لخبراتهم. وللمعلمين الحق في مشاعرهم أيضاً، فهي خلاصة خبراتهم، واذا بقي هذا الوضع، فإن سوء الفهم سيزداد.
المطلوب: أن يبتكر أحد ما حلاً، فالمشكلة لا تحل بدراسة مظاهرها. بل أسبابها وعواملها. وأعتقد أن هذه العوامل هي: -
عدم وضوح دور الشركة بين المدرسة والبيئة. - ضعف فهم الطرفين لدور الطرف الآخر. - غياب فلسفة تربوية رسمية أو خاصة لآفاق الشراكة. - ففي فرنسا مثلاً، لا يحق للمدرسة أن "ترسب" طالباً ما لم يوافق الأهل!! وفي الأردن مثلاً يتفاخر مسؤولون بأنهم رفعوا نسب الرسوب!
القضية لها جوانب متعددة. عرضنا رأي المعلمين في تدخل الأهل، وما زلنا نحتاج لمعرفة رأي الأهل في سلوك المعلمين. فهل من يفعل؟ هذا ما سيكون موضوع المقالة التالية.