الخمار الذي لا ينسجم مع حقيبة غوتشي

 

معاريف - يوآف برومر 

في الوقت الذي يتقاتل فيه مؤيدو الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وخصمه الاصلاحي مير حسين موسوي ظهر لاعب جديد في الساحة السياسية: غوتشي. كان من الصعب عدم الانتباه الى حقائب اليد التي صممتها دار الموضة الايطالية الفاخرة، والتي اختبأت خلف الاشرطة الخضراء واعلام المعارضة التي لفت اكتاف جموع مؤيدي موسوي.

اضافة اعلان

غوتشي لم تكن هناك وحدها: النظارات الشمسية برادا، احذية ارماني وساعات يد لوي فيتون – كل دور الموضة الحصرية لباريس وميلانو حظيت بتمثيل لا بأس به هذا الاسبوع في شوارع طهران. لا يدور الحديث عن اعلان موضة بل اعلان سياسي واضح، حول هوية المحتجين. في السنوات الاخيرة، كانت البرجوازية الايرانية – تلك الفئة السكانية من الطبقة الوسطى المدينية والمثقفة ذات الوسائل والامكانات لشراء المنتجات الفاخرة من هذه الانواع اختفت كقوة هامة وموحدة عن الساحة السياسية في الدولة. كما أن الكثير من اعضاء هذه الطبقة قاطعوا الانتخابات التي جرت في العام 2005، والتي فاز فيها احمدي نجاد. وبمعنى معين كان يمكن القول إنهم اختاروا في السنوات الاخيرة التعاون غير المباشر مع النظام وعدم الاكتراث بافعاله – وهي الظاهرة التي وصفها المسرحي والرئيس التشيكي السابق، فنتسلاف هافل بـ"العيش داخل الكذبة". اما هذا الأسبوع فيبدو أن البرجوازية الإيرانية قررت العودة لان تعيش الحقيقة. منذ صعد أحمدي نجاد الى الحكم تم عقد تحالف بين البرجوازية وبين نظام آيات الله. فهؤلاء لا ينشغلون في السياسة، فيما أن النظام الديني يدعهم لحالهم. ونجح الأمر. وقد أدى الازدهار الاقتصادي، نتيجة اسعار النفط العالية والتجارة المتفتحة مع غربي اوروبا، إلى تحسين اوضاع البرجوازية لدرجة ان البرلمان الايراني اضطر الى تقييد استيراد المنتجات الفاخرة الإوروبية خشية إغراق الاسواق بها.

غير أن هذا لا يكفي: اقيمت ملاعب غولف جديدة، وبيعت صحون الاقمار الصناعية المتطورة، وأصبحت عاصمة الجمهورية الاسلامية احدى العواصم العالمية للوشم على الاجساد وعمليات التجميل للانوف.

في كتابه "في حديقة الورود للقديسين المعذبين" (2005) قدم صحافي "الايكونومست" في إيران، كريستوفر دي بليج، وصفا رائعا للاحياء الراقية البرجوازية في شمالي طهران: النساء يستقبلن عشاقهن في الظهيرة، ويذهبن في المساء للحديث عن ذلك للمعالجين النفسيين الذين تلقوا تأهيلهم في فرنسا. وكل ذلك في الوقت الذي يقضي فيه اطفالهن المراهقون وقتهم في مطاعم البيتسا ويقيمون العلاقات الجنسية. مع واقع كهذا لا غرو الا يكون هناك حاجة للثورة. على الاقل حتى الان.

وقد اجاد المؤرخ الأميركي كريان برنتون تشخيص حقيقة ان نقطة الازمة الدائمة التي وقعت فيها كل الثورات الكبرى – الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا – حانت عندما نشأت "فجوة غير قابلة للجسر بين ما يريده الناس وبين ما يمكنهم ان يحصلوا عليه". وخلافا للاعتقاد السائد وكأن الثورات تندلع انطلاقا من الضائقة الاقتصادية المتعاظمة، اثبت برنتون العكس: فهي تقع بالذات عندما يصل الازدهار فجأة الى نهايته. او بتعبير آخر: الثورات لا تقع الا عندما تكون البرجوازية – وليست الطبقات الدنيا – هي المتضررة الاساس. ولمن لم ينتبه، فإن سيناريو من هذا النوع هو بالضبط ما حصل في ايران في السنة الاخيرة، مع انهيار اسعار النفط وتشديد المقاطعة الاقتصادية الدولية على الدولة.

مع أن البرجوازية الإيرانية انبعثت كقوة سياسية صرفة فليس في هذا ما يضمن ان تكون الشروط للثورة قد نضجت. ولكن اذا ما حاكمنا الامور من كثرة حقائب الغوتشي التي نشاهدها في شوارع طهران مؤخرا، فيمكن التصديق مع ذلك بان هذا ايضا يمكن ان يتغير قريبا.