الخماش تبحث في نشأة وتطور "الصحافة الثقافية في الأردن"

figuur-i
figuur-i

عزيزة علي

عمان- تعتبر الدكتورة رنا عبد العزيز الخماش أن الصحافة تعد من أهم مواعين الإبداع والفكر والوعي في الحضارة الإنسانية والحافظة الكبيرة لذاكرة الأمة الأدبية والتاريخية والثقافية والمعرفية، وهي من أهم الوسائل التي تنقل الموروث الثقافي والإنساني لأي أمة من جيل إلى آخر.اضافة اعلان
وتضيف في كتابها الصادر عن دار الخليج بدعم من وزارة الثقافة بعنوان "الصحافة الثقافية في الأردن- نشأتها- تطورها-روادها"، أن الصحف تعد أهم ناقل للرسائل الاتصالية المختلفة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الترفيهية) تشبع الفضول لدى القارئ المثقف وتبقيه على اطلاع كامل وشامل لمختلف الأحداث الدائرة من حوله، فهي مصدر متعدد المعلومات في شتى المجالات على عكس الكتاب الذي يشبع رغبة القارئ في موضوع محدد بشكل مفصل ومتعمق من وجهة نظر واحدة.
وترى المؤلفة أن الأدب يحتل مكانة بارزة في الوجدان العربي ومكنونات الشخصية الثقافية العربية، وما الخلط بين مفهومي الثقافة والأدب، وحصر مفهوم الثقافة بالأدب أحيانا إلا مؤشرا واضحا على تلك المكانة المهمة منذ فجر التاريخ في التجمعات الأدبية العربية "سوق عكاظ، سوق مجنة، سوق ذي المجاز".
وعن الحركة الفكرة والأدبية والثقافية في الأردن، تشير المؤلفة إلى أنها بدأت منذ تأسيس الإمارة من خلال الصحافة قبل غيرها من أدوات نشر الفكر والمعرفة، لطرح ومعالجة المواضيع السياسية والاقتصادية والثقافية، والارتقاء بالوعي السياسي وحشد وتوحيد الرأي العام خلف السلطة السياسية المنبثقة عن شرعية الثورة العربية الكبرى في مواجهة الانتداب البريطاني وقوى الاستعمار.
وتعتبر الخماش أن للأدب مكانة عند العرب تنبع من فخرهم بلغتهم "لغة الضاد" وإعجابهم بفصاحتها وبلاغة ومتانة صياغتها وقوة وعذوبة مفرداتها (نثرا وشعرا)، وتعود سيطرة الأدب على المجال الثقافي العربي لخصوصية ومميزات اللغة العربية (لغة الضاد) التي هي مداد وشرايين الأدب العربي، فالعلاقة بينهما عضوية مترابطة العرى وثيقة الصلة، لقد حاز الأدب على مكانة رفيعة في اللغة العربية أضفت عليه رونقا خاصا وطابعا خلابا لم ينله فيما سواها من اللغات الأوروبية أو الشرقية.
وتشير الخماش الى أهم خصائص اللغة العربية التي من الممكن اعتبارها خصائص للأدب العربي. ما يلي: "أنها لغـة فخيمـة فيها من الحروف الفخيمة ما لا يوجد في غيرها من اللغات، وكل حروفها وأصواتها واضحة صريحة، على النقيض من الكثير من حروف اللغات الأوروبية صامتة أو خفية".
أيضا هي لغـة إيجاز يتضح ذلك في إعرابها، وغنى حروفها، وغنى أفعالها، وحركاتها، ولغة شاعـرة لكثرة استعمال المجاز والكناية والاستعارات والإشارات والتشبيه، وهي لغة معبرة تظهر قدرتها على التعبير عن الشيء في أكمل صوره وأدقها، بما تعجز عنه سائر اللغات الأخرى، لدرجة أننا نرى تطابق المبنى والمعنى في آن واحد.
وتبين المؤلفة أن تغلغل الأدب لم يقتصر على المجال الثقافي فحسب، بل تجاوزه إلى المجال الصحفي لدى العالم الغربي أيضا؛ إذ يصف البروفيسور
د. تودوروف الصحافة بأنها أحد فروع الأدب، قائلا "إن الحاجة إلى تلقي الأخبار والمعلومات والمعارف عن العالم، والمشروطة بدرجة معينة من التطور التاريخي، أوجدت وطورت الصحافة كأحد فروع الأدب.. وأصبحت منذ نشأتها جزءا لا يتجزأ من التطور الثقافي الإنساني".
وتقول الخماش إن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حددت أهداف الإعلام الثقافي فيما يلي: تعمیق المعرفة الثقافية بأنواعها (المعرفة النظریة، والمعرفة المیدانیة وغیرها)، إحیاء وتدریب وتمتین الذاكرة الجماعیة، والتاریخ الإنساني المشترك بربط الماضي بالحاضر، والتعریف بالسیاسة الثقافیة للبلاد، وتمكین المواطن من معرفتها، واستیعابها والمساهمة في إثرائها، التعریف بالإنتاج الثقافي بمختلف أنواعه داخل البلاد وخارجها، وتحسین نوعیته والارتقاء بذوق الجمهور، وتدعیم دیمقراطیة الثقافة، وتوعیة الرأي العام بأهمیة الثقافة، ودورها في التنمیة، وتشجیع قاعدة الجمهور الثقافي عن طریق الإعلام الثقافي، والدفاع عن الهویة الثقافیة، وتدعیم البحث، والتكوین، والدراسات.
وترى المؤلفة أن هناك اختلافا بين مفهومي الثقافة والأدب في الإنتاج الصحفي الأردني بشكل عام والإنتاج الصحفي الثقافي بشكل خاص، ومرد ذلك إلى اختزال مفهوم الثقافة الشامل والواسع وحصرها بمفهوم الأدب، تعنى الثقافة بالإنجازات غير المادية لشعب أو لأمة خلال زمن معين وفي مكان معين؛ وتشمل العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والإنتاج الأدبي والفني بأشكاله كافة، وطرق التفكير ونمط الحياة والفنون المعمارية، وهذا يجعل الثقافة مُلكاً للشعب الذي أنتجها، تميزه عن غيره من الشعوب.
وتتحدث الخماش عن التوضيح بين مفهومي الأدب والثقافة، لفهم التداخل والترابط بينهما، لافتة لما يقوله "ادوارد تايلور" في كتابه "الثقافة البدائية" يعرف الثقافة بأنها "ذلك الكل الديناميكي المعقد الذي يشتمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والأخلاق والتقاليد والفلسفة والعادات والأديان التي يكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضوا فيه".
وتلفت المؤلفة إلى أن قاموس أكسفورد يعرف الأدب بأنه "منتجات أدبية بصفة عامة، وهو عمل مكتوب يقدم من بلاد معينة، وفي حقبة معينة من العالم، وهو إحساس مقيد يطبق كتابة ويهتم بجمال الشكل والتأثير العاطفي في المتلقي"، يتجلى التداخل والتشابك في تعريف المصطلحين، بالنهاية الأدب عمل يقدم من بلاد معينة يناقش عاداتها وتقاليدها وأديانها وآمالها وتطلعاتها، التي هي بالمحصلة ثقافة البلد، بمعنى أن الأدب هو عمل إبداعي يوثق ثقافة البلد ويعبر عنها بالكلمة العميقة الأنيقة.
وخلصت الى أن استحواذ العمل الأدبي على المؤسسة الصحفية والثقافية، ليس حالة فريدة تفردت بها الأردن دون سواها من دول العالم، بل يكاد يكون هناك رباط عضوي وثيق بين (الأدب- الصحافة) وسمة بارزة في الدول العربية والغربية كافة، فالعديد من الأدباء عربيا وعالما تخرجوا من المؤسسات الصحفية وأسهموا في إثرائها والارتقاء بمستوى وجمالية مضامينها ومحتوياتها، على سبيل المثال لا الحصر عربيا: (مصطفى صادق الرافعي، وعباس محمود العقاد، ومحمود درويش، وغسان كنفاني)، وعالميا: (جورج أورويل، وغابرييل غارثيا ماركيث، نورمان كينغسلي ميلر، وجوزيه ساراماغو، جورج بليمبتون).
ويذكر أن الدكتورة رنا عبد العزيز محمد الخماش حاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، والبكالوريوس في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية.
صدر لها العديد من المؤلفات منها: كتاب "البرنامج النووي الإيراني التداعيات الإقليمية والدولية"، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- الرياض، 2018، "النظام السياسي التركي في عهد حزب العدالة والتنمية 2002-2014"، صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت في العام 2016، "تركيا والبرنامج النووي الإيراني (حدود الاتفاق والاختلاف) 2002-2014، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- بيروت العام 2016، "العلاقات التركية- الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية 1996-2009"، نشره مركز دراسات الشرق الأوسط-الأردن العام 2010.