الخوف مستوطن فينا!

فريهان سطعان الحسن نتساءل: هل يمكن للخوف أن يهدم الجدران الثابتة؟ ويحدث شروخاً في بنيان أوهمنا ذاتنا بحجم رسوخه وعمق ومتانة أساساته؟ وهل صحيح أن قوانا انهارت مع أول اختبار شهدته أعيننا، وأصبحنا -طوعاً أو غصباً- تحت رحمة الخوف والانتظار من وباء انتشر ووضع مصائرنا رهينة لتبعاته. ربما استطاع فيروس كورونا بشراسته غير المعهودة أن يزرع مخاوف قد تكون مبررة بداخلنا، وهو يقترب أكثر وأكثر من حياتنا ومحيطنا، ويهدد أنماطا معيشية اعتدنا عليها وعلاقات نخشى ألا تعود يوماً لما كانت عليه. يوما بعد آخر، يتضاعف شعور الخوف ويتعمق بدواخلنا أكثر وأكثر، وتقودنا أفكارنا وخيالاتنا لما هو أبعد وأشرس من حدة المرض ذاته، فندرك أن هذا الفيروس وطن في النفوس شعوراً بالقهر وغياب الحيلة في مواجهة عدو خفي لا تراه العيون يتسلل الى الأجساد ويعيها وينهكها ويضع حياة الجميع تحت رحمته! ليس غريبًا أن يفتح كورونا الباب أمام مخاوف جديدة متعددة الوجوه والأشكال، منها من لم نعرف إحساسه من قبل ونختبره للمرة الأولى. بالرغم من أن الجميع بصورة أو بأخرى يتعايش مع مخاوف رافقته منذ نعومة أظفاره، كبرت معه مع مضي العمر، إلا أن القدرة على مواجهتها تتضاءل، وتضعف الإرادة في بعض الأحيان ونحن نشعر بضبابية تغلف الحاضر والمستقبل معاً. في كل يوم نتمنى لو أن كل ما يحدث كان كابوساً ينتهي بمجرد ترك عالم الأحلام، وفي لحظة ندرك أن الحلم هو حقيقة نعيشها وأننا مازلنا نبحث عن مخرج من نفق مظلم طويل، يعيد في كل لحظة أسئلة المآل والمصير. لا ننكر أننا كثيرا ما نتحايل على ذاتنا ونحاول أن نشغل أنفسنا بتفاصيل لم تكن يوما ذات أهمية، ونقوم بأشياء داخل “سجون” بيوتنا، أشياء لم تخطر يوما على بالنا ولم تشكل يوماً عاملاً جاذباً لنا، كل ذلك على أمل أن يتوقف العقل ولو للحظة عن التفكير وطرد سيناريوهات لا يشوبها الا القلق والرهبة. لكننا، لابد أن نقر بأن هذه المعركة اليومية تقودنا في أغلب الأحيان الى الفشل، فالعقل تسكنه أفكار أقوى وأشرس وتسيطر عليه صور سلبية تقودنا الى دهاليز يصعب إيجاد مخارجها. في قرارة أنفسنا ندرك أن الخوف الأكبر يكمن بالقدرة على أن نعود نحن وتفاصيل حياتنا الى ما كانت يوماً عليه، حتى لو جاءت اللحظة التي يعلن فيها هذا الوباء انحسار خطره وفقدانه قدراته التدميرية. بعض خبراء علم النفس يرون أن الإنسان بطبيعته لديه من المرونة ما يسهل عودته تلقائيًا إلى تكوينه وطبيعته التي نشأ عليها مع انتهاء الأزمة، مع التأكيد أنها قد تختلف من شخص إلى آخر. لكن ربما هنالك أزمات وإن كانت أيامها معدودة تبقى آثارها ثابتة بالروح قبل العقل، لا تغادرهما بسهولة، لتصنع برواسبها أشخاصا جددا وكأنهم يقفون في منطقة رمادية، لا يستطيعون العودة لحياة سابقة تشكلت صورهم فيها، ولا التقدم بخطوة جادة للأمام. هل سنحمل فيروس كورونا المسؤولية للتغير الكبير الذي ستشهده أيامنا ومسيرة حياتنا في كل يوم قادم بصورة أوضح؟ أم أننا سنتيقن من أن هذا الخوف الذي يلازمنا ليس نتاجا لوباء، بل هو خوف متجذر فينا وفي كل تفاصيل حياتنا، وما كورونا إلا سبب دفع بالخوف ليتصدر حياتنا ويكشف عن غياب قدرتنا أحيانا على المواجهة والقتال في سبيل الحياة! كورونا ليس وحده من سيغيرنا.. فهو وجد لنفسه أرضية خصبة في داخل كل إنسان، ورفيقاً يؤنس وجوده هو “الخوف” الذي بات يغير مصائر البشر ويقتل بصمته الشرس أكثر من كل وباء عرفته البشرية!

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

اضافة اعلان