الخوف من الفحص ظاهرة مقلقة

لعل هذا الفيروس الكوفيدي الجديد وضعنا أمام اختبار رئيسي للمواطنة، يجعل كل واحد منا أن يختار الثقة في البيانات العلمية وخبراء الرعاية الصحية وتصريحات المسؤولين على نظريات المؤامرة التي تنتشر مثل فيضان هائل على مواقع التواصل الاجتماعي.اضافة اعلان
ولن تجدي أي رسائل يبثها المسؤولون بأساليب الوقاية وضرورة الفحص والالتزام بالحجر المنزلي إذا ما واجهتها حملات مكثفة من التشويه والانتقاد والتنمر الذي يطال كل من أصيب بهذا الفيروس اللعين، وفي غياب التسلح بالمعلومة الطبية الصحيحة جعلت المواطن يقف حائرا، مشوشا، مرتبكا وخائفا من إجراء الفحص حتى وإن كانت كل علامات المرض تظهر عليه، وضعيفا أمام أي رسالة صوتية أو فيديو يشاهده على الواتساب أو الفيسبوك (وهما أكثر منصات التواصل الاجتماعي نشاطا في نقل الإشاعات بحسب رصد معهد الإعلام). فالخوف من الفحص والإفصاح عن المرض أصبح ظاهرة مقلقة بل خطيرة في مكافحته.
وحين تتوجه الأنظار يوميا إلى معرفة من هم المصابون بالفيروس، تبدأ حالة من حملات التشهير التي تشن ضد المريض أو حتى أفراد عائلته وأقاربه، ويغرق المصاب في حالة نفسية يصعب أن يتخطاها. وفي مقابلات أجريت مع مرضى تعافوا في الأردن وبلاد عربية أخرى وفي تقرير صوتي للزميلة هبة عبيدات أضاءت فيه على كيفية التعامل مع المريض بطريقة إنسانية، وأظهرت الحالة النفسية الصعبة التي عاشوها من جراء حملة التنمر غير المسبوقة هم وعائلاتهم الصغيرة والكبيرة. فانتشار المرض ليس عيبا ولا نريد أن نختفي وراءه باللوم المبالغ فيه، وبالمقابل تقع مسؤولية كبيرة على كل شخص يخفي مرضه او يخالط أناسا وهو في فترة الحجر الصحي بل هو مسؤول وبشكل مباشر عن التسبب المقصود بمرض أو موت من خالطهم ونقل العدوى لهم.
ومع يقيننا بأن الحاجة تزداد وقت الأحداث الكبرى والأزمات إلى اللجوء أكثر وأكثر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها تعطي الناس الحاجة إلى المعلومة والحاجة إلى التضامن، حيث أن شعور أن الأزمة "جماعية" وأنك "لست وحدك" يخفف من وطأتها في النفوس. إلا إن الإشاعات ونظريات المؤامرة بشأن فيروس كورونا و"الأخبار" المغلوطة التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وافتعال "أخبار" وأرقام بل وتصريحات زائفة على لسان المسؤولين، وإشاعات مغلوطة حول المرض وعلاجه قد ساعدت في إثارة الهلع والرعب بين سكان العالم أجمع وليس فقط في الأردن. فنحن جميعاً نمر بأوقات عصيبة، وبدلا من التسلية بهذه الإشاعات والمساهمة في زيادة انتشارها، هنالك العديد من منصات التفاعل الجادة على الفيديو المرئي تتيح لنا خيارات الانضمام للحوارات الجادة والهادفة، أو إنشاء منصة للنقاش حول أبعاد هذا المرض وترتيب أولوياتنا في الحياة من جديد، لبث الأمل والطمأنينة.
ولكن حتى وإن بدأ الأمر بالسخرية والاستهزاء ومرورا بإطلاق الإشاعات ونظريات المؤامرة، إلا أنه انتهى بتوحيد الرسالة بالتحذير والنصح والإرشاد، فلم يعد هناك نحنُ وهم، لم نعد منفصلين أو منشقين فجميعنا في مركب واحد مصممين على أن نخرج منها بسلام. فقانون الجرائم الإلكترونية لن يردعنا إلا إذا راعينا ضميرنا في ما نكتب، وأن نفكر في أبعاد ما يمكن أن يؤدي إليه ما نكتبه. وأن نبتعد عَنِ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ، فهذا يؤدي إلى ارتفاع مقام الإنسان، وأن نتجنب اللّعن والطّعن وما يتكدّر به الإنسان. إن ما يحدث في العالم في مواجهة الكورونا جعلنا نعيد تعريف المواطنة العالمية، وأننا إخوة في الهم الإنساني المشترك.
وعلى الرغم مما يبدو عليه أفق العالم في هذه الأيام حالكا، واضطرابه الشديد جراء حالة الارتباك والضياع الناتجة عن الظروف التي تشهدها جميع الأمم، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى المزيد والمزيد من الأمل وقوة الروح المنبعثة من الإيمان، فالامتحانات الإلهية كانت بين العباد، وما زالت بينهم حتى يتبين ويتميز النور من الظلمة والسعادة من الشقاوة. بالتأكيد هذه فرصة للتأمل في دورنا المجتمعي. وكيف يمكننا تعزيز صفات من قبيل الوحدة والاتحاد، الألفة والتعاطف، روح العبادة الجماعية والمسعى المشترك.
فهل سنثبت بأن الإنسانية ستعبر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف وقد اكتسبت رؤية أوضح وتقديرا أعمق لوحدتها المتأصلة وترابطها المتبادل؟