الخيار الأردني

 بالرغم من قدم فكرة "الوطن البديل" وتجذرها في الفكر الصهيوني المتطرف الا ان الساسة الاسرائيليين من خارج هذا التيار لم يكونوا متحمسين للفكرة ولم ير العديد منهم اي جدوى من المجاهرة بها او دعمها في العلن لاسباب تتعلق برفض القوى العظمى لها وللتعاطف الواسع الذي حظي به الشعب والقضية الفلسطينية من قبل الحركات والتنظيمات والشعوب على امتداد مساحة العالم، اضافة الى ما تمثله الفكرة من تهديد للامن والسلام الدوليين من خلال ما تتضمنه من عبث بأمن واستقرار دولة مجاورة والسعي للتملص من تنفيذ القرارات الاممية التي تطالب بالانسحاب من الاراضي المحتلة وحصول اللاجئين على حق العودة والالتزام بحل الدولتين.اضافة اعلان
 الجديد فيما يحصل اليوم هو اعتقاد اصحاب فكرة الوطن البديل ورعاتها ان الوقت اصبح مناسبا لاحياء الفكرة والمجاهرة بها وعرضها على مؤتمر يدعى له اشخاص باعتبارهم يمثلون نواة الداعمين للفكرة وتحويلها الى صيغة مشروع تجري مناقشته وتغطيته بشكل واسع. من هنا فان الطرح الجديد مختلف عن ما اعتدنا عليه في السابق والفكرة لم تعد تصريحا عابرا على لسان بعض المتطرفين من الساسة والناشطين او تبريرا  يلجأ له اليمين الاسرائيلي وجموع المتطرفين كلما جوبهوا بانتقادات الإعلام والمنظمات الحقوقية لعدوانهم وتعدياتهم وتنكيلهم بالشعب الفلسطيني.
السؤال الاهم الذي يخطر ببال كل من يراقب الاحداث والتغيرات في الإقليم والعالم يتعلق بالعوامل التي شجعت الصهاينة المتطرفين على الانتقال من حالة التلميح لفكرة الوطن البديل الى وضع التصريح بها والتخطيط لاخراجها وبحثها وتداولها من خلال مؤتمر يبحث في اهداف وشكل وآلية تطبيق مشروع الوطن البديل. وهل يشكل ذلك تطورا في العلاقة الاردنية الاسرائيلية التي بقيت مستقرة عبر اكثر من خمسة عقود وتوجت بمعاهدة سلام قال رئيس وزرائنا بعد توقيعها آنذاك "لقد دفنا اليوم فكرة الوطن البديل".
فيما تسرب عن أعمال المؤتمر الكثير من الغطرسة والعداء والاستخفاف بالاردن والقيم والمعايير والاتفاقيات الدولية وفيه تعد على سيادة الاردن والتدخل بشؤونه والتآمر عليه بمباركة رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي ترتبط بلاده بمعاهدة سلام حرص الاردن على إدامتها لأكثر من عقدين بالرغم من تعرض العلاقة لعشرات الأزمات.
فكرة الوطن البديل التي يظن الصهاينة بانها جائزة للشعب الفلسطيني لا تروق لأحد، فالفلسطينيون الذين هاموا جيلا بعد جيل وهم يحلمون ببيارات يافا وشواطئ حيفا ويحدثون أبناءهم عن خصوبة مرج ابن عامر وينابيع عمواس وعنب الخليل لا ولن يقبلوا بديلا عن حلمهم يرشدهم له الأعداء فهم في الاردن أردنيون لكن عيونهم كانت وستبقى على الارض التي شكلت خيراتها جينات الآباء والامهات فارتبطوا بها برباط ابدي لا يحدده الصهاينة.
بالرغم من محاولة اليمين الصهيوني استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها الاردن والمتمثلة في انحسار الدعم المالي العربي له والجدل المحلي حول الاوضاع الاقتصادية والتوتر في العلاقة الاردنية الاسرائيلية، إلا ان الشارع الاردني ومعه الفلسطيني استقبلا الفكرة بالكثير من السخرية والازدراء واعتبرا انها محاولة يائسة للتملص من الالتزامات والاستحقاقات التي اصبح لا مفر منها لا سيما مع ظهور بيانات تشير الى تجاوز نسبة الفلسطينيين لحاجز الـ 50 % وما يعنيه ذلك من إحراج اخلاقي للكيان الذي يقدم نفسه للعالم على أنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
 فكرة اليمين الاسرائيلي ستبقى حية ولن يتم الوقوف في وجهها ووأدها إلا بإجراءات تصحيحية عميقة تجذّر العدالة وتقضي على الفساد وتعطي للجميع المبرر والدافع لحماية المكتسبات والدفاع عنها. فلا يكفي دعوة الناس للوقوف في وجه المخططات اذا لم يشعروا بكرامتهم وقيمتهم وامكانية الوصول الى حقوقهم.