"الداعشية الأردنية".. سياسات جديدة

الإدعاءات التي أثارها أهالي المعتقلين الجهاديين في الأردن (خلال اجتماع لهم بالقرب من عمّان، قبل أيام، عن وجود تعديب في السجون، خلال فترة الاعتقالات، وتجاوز للقانون ومباديء حقوق الإنسان) تدفع إلى التأكّد والتثبّت عبر المركز الوطني لحقوق الإنسان أولاً، بصفته جهة إنسانية رسمية، ووزارة العدل، او لجنة من النقابات أو المجتمع المدني.اضافة اعلان
    لا يجوز تحت وطأة الرفض الشعبي الصارم، عموماً، لأفكار تنظيم داعش وسلوكه، والخشية من تنامي أنصاره في الأردن، أن نبرّر أو نشرعن سوء المعاملة، إن صحّت تلك الإدعاءات، بل أهم من ذلك نحن بحاجة إلى سياسات جديدة للسجون الأردنية، بخاصة للمتهمين بالداعشية؛ ترويجاً، التحاقاً وقضايا إرهابية، لأنّ السجون تحوّلت خلال الأعوام الماضية إلى مصدر من مصادر التجنيد والتعبئة والدعاية داخل مهاجع التنظيم.
المطلوب اليوم، على وجه السرعة، أن يتم تصنيف المتّهمين والتمييز بينهم في مستوى الدرجة والمرحلة التي وصل إليها، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، ونجد أنفسنا أمام "جيش داعشي" في الداخل، سيخرج من السجون عاجلاً أم آجلاً ونتعامل معه، لكن بعد أن يكون نضج أفراده واستووا على درجة عالية نفسياً وفكرياً بعد فترة السجن، لغياب أي برنامج أو رؤية عملية تقدّم مخرجاً Exit Point، للأفراد الذين ما يزالون في أطوار أولية، أو حتى فرصة المراجعة لمن لديهم شكوك حول الطريق التي ساروا فيها!
خلال الفترة الأخيرة شهدت قاعات محكمة أمن الدولة عشرات القضايا، وشاهدتُ بعضها قبل الشهر الفضيل، المرتبطة بفقط بالترويج لداعش أو التعاطف معها، والمشتبه بهم خليط واسع بعضهم خلفيته في المخدرات، وآخرون خلفيته جهادية، وبعضهم خلفية إسلامية ليست جهادية، وآخرون لمجرد أقوال أو كلمات عامة على صفحته، بعد أن أصبح قانون الإرهاب بتعديلاته الأخيرة يجرّم الدعوة لهذه التنظيمات، فاعتُبرت تلك العبارات ومشاركة منشورات التنظيم أو منشورات جبهة النصرة، نوعاً من الدعاية المجرّمة قانوناً.
المحزن، كما ظهر – أيضاً- في المؤتمر الصحافي لأهالي المعتقلين، وهو ما تعززه مؤشرات عديدة أخرى، أنّ هنالك تزايداً ملموساً بالتأثر بهذا الفكر لدى طلاب الجامعات، لذلك كانت نسبة معتبرة من المعتقلين الجامعيين (من المجموع الكلي وهو بالمئات) غداة أحداث الكرك (نهاية العام الماضي).
المطلوب، ثانياً، أن نميّز بين الداعشيين والمتطرفين، عموماً، وعائلاتهم، فلا نعاقب أولئك بجريرة هؤلاء، سواء خلال إجراءات المحاكمة، أو في الزيارات إلى السجون أو في ضمان حقوق أبنائهم القانونية، وضمانة عدم الاساءة اهم، لأنّ حدوث عكس ذلك يؤدي إلى حالة تعاطف من قبل أفراد في المحيط الاجتماعي، وتدوير اللوم ليصبح على الدولة التي تحمي المواطنين، بدلاً ممن أوصل أبناءهم إلى هذه المرحلة، ومثل هذه الحالة العاطفية قد تتحول لاحقاً ( كما حدث في دولٍ أخرى، وبدأت إرهاصاته تحدث في الأردن) إلى أكثر من ذلك، ثم نجد أنفسنا أمام شبكات اجتماعية، وليس أفراد، من النساء والأطفال والأقارب، ممن يحاولون الدفاع عن أبنائهم أو ضمان حقوقهم خلال مرحلة القانون والقضاء!
أعرف تماماً أن هنالك نسبة كبيرة من القراء لن يعجبها ما أكتبه هنا، بدعوى معاداة التنظيم المتطرف، والمواجهة معه، لكنهم – أي هؤلاء القراء- لو فكّروا قليلاً وراجعوا مسار تلك الحركات وتاريخها، فإنّهم سيدركون بأنّ السجون؛ ما قبلها وما بعدها، هي أحد أخطر ماكنات إنتاجها وصعودها!
بكلمة: في الوقت الذي نطالب فيه الأمن بالمتابعة والتحقيق وحماية البلاد والعباد نطالب الدولة بتوفير مظلة مدنية عميقة، قانونياً وإنسانياً لمكافحة التطرف ومعالجته في الوقت نفسه!