الدبلوماسية الشعبية لاستطلاع الفرص

ما تتحرج الدبلوماسية الرسمية من القيام به يمكن لمراكز دراسات ولما يطلق عليها الدبلوماسية الشعبية أن تضطلع به، ونقصد استطلاع فرص حوار استراتيجي للجوار العربي – الإسلامي.اضافة اعلان
قبل ذلك لننظر في تقييم الموقف الراهن. هناك انتفاضة جديدة للشباب الفلسطيني تحت الاحتلال وهناك إجماع عابر للدول والمذاهب والطوائف حول القدس وقد أعلن بابا الأقباط رفض لقاء نائب الرئيس الأميركي كما فعل إمام الأزهر وفي لبنان انعقدت من أجل القدس قمة مسيحية اسلامية ضمت كل الرؤساء الدينيين للطوائف موارنة وروم وكاثوليك وسنة وشيعة ودروز وغيرهم. هناك اندفاعة رسمية وشعبية أصيلة وحقيقية ضد قرار ترامب الأرعن، لكن ردّة الفعل الاحتجاجية هذه لن تتمخض عن شيء غير تسجيل موقف في قضية القدس، والقدس ليست سوى بند في ملف الصراع. وقرار ترامب ليس حادثة معزولة عن نهج الادارة الحالية وهو كما يظهر في عدة ملفات خطير للغاية على المنطقة والعالم.. السلم العالمي، مكافحة التطرف والارهاب، الشرعية الدولية، الاقتصاد، البيئة. أما في الصراع العربي والفلسطيني الاسرائيلي فيظهر تطابق الادارة الجديدة مع اليمين الديني المتطرف في اسرائيل والولايات المتحدة كما لم يحدث مع أي ادارة سابقة. إننا نحتاج الى مناورة استراتيجية واسعة في مواجهة هذه الادارة.
وأمس انتهى مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي ببيان لا نقول الا انه جيد للغاية فقد اتخذ موقفا قاطعا وحاسما ضد قرار ترامب وذهب خطوة إضافية بإعلان الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وطالب دول العالم بهذا الاعتراف وتثبيته في مختلف المؤسسات والمنابر الدولية. ويفترض ان تكون سياسة الدول الاسلامية القادمة في جميع المؤسسات الدولية هي هذه، ويجب أن نقول ان الرئيس التركي أردوغان كان نزيها ومخلصا في التعبير عن الموقف الحازم ازاء الادارة الأميركية وكان كذلك في تسليط الضوء على الدور الأردني ودور جلالة الملك، وقد وصفه بحامي المقدسات. لكننا كنا نأمل أن نرى على هامش المؤتمر التفاتة إلى الانقسامات الأقليمية العميقة الراهنة وصداها في الانقسامات الداخلية والحروب الطاحنة بالوكالة في دول عربية، وتركيا نفسها كانت قد دخلت على الخط بانحيازها لقطر وإرسال قوة حماية عسكرية لها ولا يخفى صلة ذلك بتخفيض التمثيل الخليجي بحيث يتحول بيان القدس الى رفع عتب ذهبت دول لتوقيعه لتؤوب دون ان يتغير شيء على حالة التمزق والاجندات التي تحكم كل طرف تجاه الآخر بين جميع الموقعين على البيان، وهو ما يضعف مصداقية البيان كثيرا.
ليس الآن بل منذ بعض الوقت يدور في أذهان مثقفين وسياسيين ضرورة إطلاق حوار سنّي شيعي، إيراني عربي، حوار إقليمي مع دول الجوار العربي، وهؤلاء ليسوا سذجا ويعرفون أن الحوار لا يغير في حقيقة صراع الأدوار والمصالح الذي يستثمر في القوى الموجودة على الأرض ويستثمر في الانقسامات القائمة اصلا في سياق تاريخي معروف. والدول لا تخرج من جلدها ولا تختار أو تغير تحالفات أقليمية ودولية كما تختار أو تغير سلعا على الرف لكن عند لحظة معينة يجب صنع اختراق يفتح على تغيير عندما يدور الوضع في حلقة مفرغة. ولعل قرار ترامب الحليف المفترض لدول الاعتدال العربي وما ينطوي عليه من دلالات قد صنع المناسبة والحافز. واذا كان هناك تحرج رسمي وحساسية عندنا وعند غيرنا في المبادرة، فلماذا لا نلجأ الى ما يطلق عليه الدبلوماسية الشعبية من خلال شخصيات وقوى ومراكز دراسات للقيام بهذه المهمة الجليلة.