الدبلوماسية النيابية.. تنويع الخيارات لا الاستدارة

يستعد وفد نيابي برئاسة رئيس المجلس المهندس عاطف الطراونة لزيارة طهران الشهر المقبل للمشاركة بمؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس. وأمس استقبل الطراونة في مكتبه السفير الإيراني في عمان والقائم بأعمال السفير السوري كلا على حدة.اضافة اعلان
مجلس النواب أسس منذ مدة لما يمكن أن نسميه مسار الدبلوماسية النيابية مع طهران ودمشق، فقبل أشهر زار الطراونة على رأس وفد نيابي طهران والتقى مسؤولين كبارا في مقدمتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني. وعلى هامش المؤتمر في طهران اجتمع الطراونة كذلك بنظيره السوري.
نواب بارزون في المجلس من أمثال خالد رمضان وخليل عطية وطارق خوري أدلوا بتصريحات متحمسة للزيارة ودعوا لمزيد من خطوات الانفتاح على إيران وسورية. وكان من المقرر أن يقوم وفد نيابي بزيارة لدمشق منذ أسابيع إلا أن التحركات بهذا الشأن خمدت في الآونة الأخيرة.
الدبلوماسية النيابية لا تخضع في تحركاتها واتصالاتها لنفس الاعتبارات التي تلزم الدبلوماسية الحكومية، وهذا هو الوضع الصحيح؛ ينبغي إعطاء النواب أوسع هامش ممكن للحركة بما يخدم مصالح الدولة الأردنية، بشرط أن تلتزم هذه الدبلوماسية بالخطوط العريضة لتوجهات الدولة. الوفود النيابية التي تزور عواصم عربية وأجنبية تظهر على الدوام قدرا كبيرا من الالتزام بهذه المصالح، ويمكن لها أن تمهد الطريق أمام الحكومة للاستفادة من الفرص المتاحة لتحسين العلاقات وتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية.
لكن هناك من يصور سياسة الانفتاح على طهران أو أية عاصمة إقليمية على أنها البديل أو النقيض لعلاقات الأردن مع عواصم عربية أخرى. وثمة تيار يفترض أن الاستدارة المطلوبة في السياسة الخارجية تعني القطيعة مع حلفاء تقليديين للأردن لحساب حلفاء جدد كإيران أو تركيا.
هذه الافتراضات تتناقض تماما مع مبدأ ثابت في السياسة الخارجية وهو تنويع الخيارات وليس استبدالها. وقد كان الأردن على الدوام ماهرا في تطبيقه لسياسة تنويع الخيارات، ومايزال. فبالرغم من الحروب التي تضرب دول المنطقة، والصراعات بين أنظمتها وما تمخض عنها من حالات قطيعة دبلوماسية، إلا أن عمان لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي من دول الإقليم، وما تزال تملك القدرة والإمكانية على إحياء العلاقات الفاترة وإنعاشها متى شاءت.
في الأسابيع القليلة الماضية شهدنا ما يشبه الحملة المنظمة لتسميم العلاقات الأردنية السعودية تحت عنوان الاستدارة والانفتاح على محور إقليمي آخر. وبلغ الأمر بوسائل إعلام عربية حد فبركة الأخبار لتحريك حملات مناهضة بين البلدين.
لم تفلح هذه الحملات في تحقيق أهدافها، لكن ينبغي أن نعي ما يدور حولنا؛ هناك  أطراف تدفع لتأزيم العلاقات مع السعودية بدعوى الحرص على المصالح الأردنية والحقيقة عكس ذلك تماما. الهدف هو فرض مزيد من العزلة العربية على الأردن ودفعه نحو محور دون غيره.
ليس هذا هو المطلوب أبدا. مصلحة الأردن تقتضي الانفتاح على الجميع وتعزيز العلاقات مع الدول العربية أولا، وبناء شبكة واسعة من العلاقات القائمة على المصالح المتبادلة من طهران إلى الرياض وصولا للقاهرة ودمشق.
الأردن ليس طرفا في صراعات الإقليم، وعلاقاته مع الدول تحكمها المصالح لا المحاور وأجنداتها.