الدعاية الدينية العربية

قليلا ما نتوقف عند حجم التضليل والزيف الذي مورس ويمارس بفعل الدعاية العربية؛ تلك الموجهة نحو الداخل والأخرى الموجهة إلى الخارج، فيما يبدو ان الدعاية الموجهة نحو الداخل واضحة الملامح والاهداف في استخدام ادوات الإعلام والقوة الناعمة على مدى عقود طويلة في خدمة النظم والنخب والقوى السياسية، والمشكلة الكبرى كيف وظفت الدعاية الدينية السياسية تحت عناوين مثل الإعلام الديني وأحيانا الدعوة الدينية. اضافة اعلان
في الوقت الذي فشلت فيه الدعاية العربية في ايجاد موطئ قدم لها في مدن صنع القرار العالمي مثل نيويورك ولندن وغيرهما في مواجهة الدعاية الاسرائيلية، ضخت على مدى اكثر من عقدين اموال طائلة في مئات العواصم والمدن والبلدات والقرى في غرب العالم وشرقه في الولايات الاميركية البعيدة وفي الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي وفي بلدات افريقية نائية، وفي مدن وقرى الشرق البعيد من افغانستان والباكستان والشيشان الى اندونسيا وغيرها في نشر نسخة بعينها من الاسلام السياسي المغلّف بطابع من العبادات وما يرتبط بها من فهم سلفي جامد لا يقبل الحوار حتى داخل الدين.
المفارقة كبيرة بين الفشل العربي الذي يشي بفقر معرفي هائل في مواجهة الدعاية الصراعية الحقيقية وضعف الارادة على إحداث التأثير، مقابل الغنى والتنوع في تطوير ادوات الدعاية الدينية والاصرار الكبير على بلوغ اهدافها والوصول بها الى جميع انحاء العالم. في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ايضا، وبينما كانت الطائرات الاسرائيلية تحط في مطارات الدول المنفكة حديثا عن قبضة الاتحاد السوفيتي محملة بالمساعدات والخبراء في مجالات الهندسة الزراعية والالكترونية والعلوم  والورود، كانت الطائرات العربية تحط ايضا في المطارات ذاتها، وربما بكثافة اكثر، لكنها محملة بتفاسير ابن تيمية المترجمة الى العديد من اللغات وبالمشايخ والبخور.
في جهة اخرى، شهدت الصناعة الإعلامية العربية المعاصرة اكبر استثمار سياسي صراعي بمضمون ديني، لاغراض سياسية صرفة، ومثالها الراهن في البث الفضائي الديني، ما ضيع على الاعلام الفضائي العربي فرصة النمو المهني الذي كان من المؤمل الوصول اليه بعد ازدهار الصحافة التلفزيونية في النصف الأول من العقد الماضي كما عكستها المحطات الاخبارية.
المثل العربي يقول "من يعرف أن يحضر الجن عليه ان يعرف كيف يصرفه"، ويبدو ان الدعاية العربية استطاعت بالفعل تحضير كل جنون العالم وها هي تقف مكتوفة الايدي لا تعرف كيف تتخلص من هذا الداء العضال. وهنا تكمن الاجابة عن عشرات الاسئلة عن أسرار التطرف وعن جذوره واختطاف الاسلام، والقوة الحقيقية التي تدفع مئات الشباب الى اللهاث خلف التنظيمات الدموية والظلامية. لا يوجد لدينا دراسات او رصد حقيقي لاقتصادات الدعاية الدينية العربية وتحديدا الموجهة للخارج، لكن علينا ان ننتبه ان هذه الدعاية ليست ممولة فقط من النظم الرسمية، بل ايضا ساهمت فيها المجتمعات العربية في الدول الثرية ومن الطبقات المتحالفة مع تلك النظم.
 لا شك ان الدعاية المتراكمة وعلى مدد طويلة تمارس وظيفة الغرس الثقافي لدى الاجيال الجديدة وبالتالي تشكل مصدر تهديد خطير واحيانا تنعكس على أصحابها كما حدث مع الدعاية الدينية العربية التي أغرقت العالم بالجنون، ونحصد ثمارها هذه الايام، تصوروا ما الذي اقنع شابا افريقيا ينتمي لـ"بوكو حرام" بأن تلغيم فتاة عمرها عشر سنوات وتفجيرها وسط سوق مزدحم عمل من أجل الله ومن أجل العدالة والخير.