الدعاية والتحرش بالتاريخ

تساهم- للأسف- شبكات التواصل الاجتماعي بمجرد إشاعة طائشة في تسهيل مهمات للدعاية السياسية قد تحتاج سنوات وجهودا وموازنات طائلة، كيف يتحول المجتمع المستهدف بالدعاية، الى ممارسة دور منشط هذه الدعاية ومروجها. هناك الكثير من الامثلة التي تجعل التعامل مع التاريخ مصدرا للإشاعات التي قد تخدم الدعاية المعادية، منها أمثلة تعامل معها المصريون في أوقات السلم أكثر من أوقات الحرب ونتعامل اليوم معها في الأردن وأحيانا بشكل مكثف؛ والدليل الأخبار والإشاعات التي تظهر بين وقت وآخر حول علاقة مدينة البترا الأثرية بالإسرائيليين أو علاقة مواقع أردنية أخرى بروايات تنسب للإسرائيليين. اضافة اعلان
سلسلة من الأخبار والإشاعات في الاسابيع الاخيرة تناولت البترا؛ منها القصة القديمة بأن الاسرائيليين يروجون للبترا على أنها في اسرائيل، وخرائط سياحية تضع البترا في إسرائيل، تعود تلك القصة إلى فترة ازدهار السياحة بعد اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية التي شهدت أيضا ازدهارا للسياحة الاسرائيلية إلى الأردن. الذي لا يحكى كثيرا أن تلك المرحلة شهدت تعاونا واسعا بين القطاعين الخاص الإسرائيلي في السياحة والقطاع الخاص الأردني، وصممت برامج سياحية وروج بعضها بشكل مشترك. وفي هذا السياق تصاعدت الحملات الترويجية وتصاعدت المنافسة سواء بين الطرفين أو بين تحالفات مشتركة من الطرفين، وهنا ظهرت الملصقات التي روجتها مكاتب سياحية إسرائيلية والتي تبيع رحلة متكاملة في الأردن وفي فلسطين التاريخية، وهي وقائع لا  تخرج عن اطار التسويق السياحي والتنافس وما يرتبط بهما أحيانا من سلوكيات قد تكون غير قانونية أو غير أخلاقية. الحادثة الأخيرة كانت مجرد شخص قام بنشر منشور على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي أعاد فيه نفس شعارات الحملات التسويقية السابقة.
تتطلب بعض التجاوزات إجراءات رسمية حاسمة، وبالتحديد حينما يتعلق الأمر بالهوية والتاريخ والسيادة، لكن الفراغ الذي قد يحدث يترك الأمر للمحاكمات الشعبية التي تذهب بالخيال بعيدا إلى المؤمرات ورسم السيناريوهات والتكهنات التي تجعل الأرض ممهدة لدعاية سياسية حقيقية حينما يحين وقتها، وهذا ما يسمى في تصميم الدعاية السياسية بالاتصال الدعائي التمهيدي الذي يزرع البذور لحين يأتي الوقت الملائم لتوظيفها. ودروس الحرب الباردة تفيدنا كيف كان الخصوم يستغلون الطبقات شبه المتعلمة التي تكن العداء للخصم أداة للاتصال الدعائي التمهيدي الذي يمهد الطريق للدعاية الفعلية.
لقد قرأت خلال الأسابيع الماضية عشرات المواد الصحفية التي تثير القلق والحزن والضحك في نفس الوقت من أفراد يحذرون من أطماع صهيونية في البترا، وفي مواقع أخرى يثيرون الرعب والخيال الشعبي من روايات تاريخية يهودية، هذا القلق ليس من ان تلك الأطماع غير موجودة، بل لما ينطوي عليه العديد من هذه الكتابات من ضحالة ومن أخطاء وبالتالي من تضخيم، وبالنتيجة فالخطورة في أنها تمهد لأي دعاية حقيقية قد نتفاجأ بها.