الدعوة إلى الانتحار

بدأت الأصوات تعلو من مجموعات المعارضة السورية والداعمين لها إلى تبني مجلس الأمن الدولي لمبادرة الجامعة العربية، ما يعني حرفيا الدعوة إلى التدخل العسكري الدولي، كما حدث في ليبيا ومن قبلها العراق. ولعل هذه الدعوة المجنونة جاءت بعد أن وصلت المعارضة إلى أقصى درجات اليأس من عودة العقل إلى النظام الذي استمرأ القتل، وداوم على الهجوم على مدنه وقراه، وتحويل الجنازات إلى مذابح جديدة ضحاياها نساء وأطفال يذبحون بدم بارد بدون وازع أخلاقي أو رادع ديني، أو حتى أدنى شعور بإنسانية العلاقة التي يفترض أن تربط أبناء الشعب الواحد بعضهم ببعض بغض النظر عن مواقعهم.اضافة اعلان
لقد غاب العقل تماماً عن النظام، ولكن غاب العقل عن المعارضة عندما تطلب تدخل مجلس الأمن، فهذا سيؤدي إلى الكارثة الحقيقية.
ونظرة سريعة إلى ما حدث في ليبيا من دمار وإلى ما حدث ويحدث وسيحدث في العراق بعد أن رحّب المعارضون بالقوات الأميركية، فجاء التدمير والخراب وتقسيم العراق والحروب الطائفية والعرقية التي لا يبدو أنها ستتوقف رغم محاولات العلاج التي لن تنجح لأن الجرح غائر في أعماق الجسد العراقي.
قد يبرر البعض طلب المعارضة السورية باليأس القاتل الذي أصاب الجميع، والدمار الشامل الذي لحق بالبلد، والأهم عدم الثقة بقدرة الجامعة العربية ومراقبيها الذين وصلوا إلى سورية على القيام بأي فعل حقيقي لوقف المجازر الدموية، خصوصا أن الجامعة لا تملك القوة التنفيذية لإجبار النظام على الالتزام بأي قرارات تراها مناسبة. ويرى هؤلاء أن عمل الجامعة استعراضي ومن باب إثبات الوجود، ولا جدوى من وراء وجود المراقبين إلا إذا كان الأمر مقدمة فعلية لطلب تدخل مجلس الأمن.
لا أحد في العالم المتحضر أو حتى غير المتحضر، يوافق على مجازر النظام ضد الشعب. ولا أحد يريد لسورية أن تنقسم على نفسها وتتحول إلى كانتونات طائفية أو عرقية، فالجرح العراقي أصاب الأمة العربية كلها في الصميم، ولا أحد يوافق على تدخل مجلس الأمن العسكري، فهو ليس إلا أداة تنفيذية تستخدمها أميركا وأعوانها لتبرير وتمرير مخططاتها الرامية إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة مبعثرة غير قادرة على الحياة إلا ضمن النفوذ الغربي، كما حدث مع يوغوسلافيا والاتحاد السوفيتي من قبل. إنها دعوة إلى الانتحار.
لقد غاب العقل تماما عن الجسد العربي وأصبح يتحرك مدفوعا بآلية حركية خارجية. وكما غاب العقل غابت العاطفة أيضا وهي من أهم السمات التي كانت تجمع أبناء الامة وتربطهم مع بعضهم، ومع غياب العقل والعاطفة أصبح الجسد العربي بلا أدنى مقومات الحياة.
إنها دعوة للجميع إلى الاحتكام للعقل، وفي أسوأ الظروف العودة إلى العاطفة وروابط الدم، والنظر إلى ما حولنا حتى لا تصبح سورية عراقا آخر.