الدكتور الطويقات يخط "الفتنة الأندلسية الكبرى وأثرها في الشعر الأندلسي"

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)

عزيزة علي

عمان- بدعم من وزارة الثقافة، صدر عن دار أمجد للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان "الفتنة الأندلسية الكبرى وأثرها في الشعر الأندلسي (399هـ/422هـ)"، للدكتور أجمل فهد الطويقات.اضافة اعلان
في مقدمته للكتاب، يرى المؤلف أن العلاقة بين الشعر وقارئه محكومة بالسياق الزماني والمكاني الذي ينتظم عبره كل منهما؛ حيث تكتسي هذه العلاقة طابعا يواكب طبيعة ذلك السياق، لذلك لازم أذهان العامة أن الشعر الأندلسي شعر غنائي؛ بسبب انتشار الغناء في المجالس الأندلسية، فاتسم الشعر بالإيقاع الموسيقي الواضح الذي نراه في ألفاظهم وتراكيبهم، والتناغم في الحروف التي بآخر الأبيات، ورقة الألفاظ وسهولة التعبير والتركيب، وأعطى الشعر الطبيعة حيزا كبيرا فيها؛ إذ أثرت الطبيعة في أشعارهم إلى حد كبير، واهتم الأندلسيون اهتماما كبيرا بشعر الغزل، وتميزت عاطفتهم بالصدق، خصوصا في إظهار الشوق إلى الحبيب.
ويشير الطويقات، إلى أن هناك وجها آخر للشعر الأندلسي يحاول أن يكشف عنه في هذا الكتاب، وهو الوجه المأساوي الذي صور المأساة السياسية التي عاشتها الأندلس، تلك المأساة التي شاهدها كثير من الشعراء، فوجدت سبيلها تلقائيا في شعرهم؛ فقد كان للفتنة التي حدثت في الأندلس نهاية القرن الرابع الهجري، وامتدت نحو ثلاثة وعشرين عاما أثر كبير في مختلف مناحي الحياة، ولا سيما في الأدب والشعر؛ ولشدة تأثيرها أطلق عليها المؤرخون وصف بـ"الفتنة الكبرى"، تمييزا لها عن الأحداث والفتن التي ظهرت في الأندلس.
وينوه الطويقات، إلى أن الشعر صور الخصومات والصراعات السياسية والعسكرية بين الفرقاء جميعا، وصور شعر المدح، مظاهر الوداع والشكوى من الزمن؛ لذلك كان الشعر صورة صادقة لواقعه وانعكاسا له؛ لأنه تناول الأحداث السياسية، ودار في فلكها، وأدرك الأبعاد المأساوية التي لازمت الأندلس في محنتها، فلم يكن مغيبا عن واقع بيئته، لافتا إلى ما دفعه للقيام بهذه الدراسة عن شعر تلك المرحلة من تاريخ الأندلس، هو أن شعر تلك الفترة كان أكثر صدقا في التعبير عن بيئته، وأعمق ارتباطا بجزئيات، فيتلون الشعر بمواضيعه التي يستقيها من واقعه، وكان نصيب الشعر الأندلسي من ذلك واسعا.
ويكشف الكتاب كما المؤلف، عن نتائج هذه الفتنة، وعرض صداها في الحياة الأدبية الأندلسية بشكل عام، وفي الشعر الأندلسي بشكل خاص؛ إذ انعكس أثرها في تصور الشاعر للبيئة الاجتماعية والنفسية والعمرانية، لافتا إلى أهمية تناول شعر الفتنة، التي كان لها نتائج حاسمة في مناحي الحياة الأندلسية بشكل عام على نحو مستقل خلال تلك الحقبة.
وفي خاتمة الكتاب، يقول الطوقات إنه حاول في هذه الدراسة تناول الشعر الذي رافق حدثا تاريخيا مهما، الذي أطلق عليه المؤرخون "الفتنة الكبرى"؛ حيث كشفت هذه الدراسة عن جملة من النتائج الخطيرة على الوجود العربي في الأندلس، كاندلاع النزاعات العرقية والطائفية، وسقوط الخلافة الأموية، وقيام دول الطوائف.
كما تعاظم دور اليهود وغيرها من النتائج المروعة، في تلك الفترة، ومن أهم ما أفرزه هذا البحث هو بيان حدة نتائج الفتنة الأندلسية الكبرى في الشعر الأندلسي إثراء وأداة ووجهة، فقد آثرت الفتنة في المواضيع الشعرية، وعملت على توجيه الموضوع الشعري نحو مواضيع محددة، وفقدت مواضيع شعرية مكانتها، فتقدمت قصيدة المديح، على المواضيع الأخرى، وجعلت قصيدة المديح هي أغلب ما ينظمون.
كما يبين المؤلف أن الشعراء الأندلسيين -قبل الفتنة- كنا نجدهم يهتمون بوصف المباني والقصور الجميلة مثل الزهراء والزاهرة، وما يحيط بها من حدائق غناء، وخضرة ندية، وما يزينها من زخرفة وتحف، إضافة إلى ما تزخر به الأندلس من مظاهر حضارية كانت تسحر الأبصار بروعتها وحسن إتقانها، وتنوع طرائقها. فلم يترك الشعراء معلما من معالم الحضارة جذب أبصارهم، وأحسوا به إلا وصفوه، ومزجوا ذلك الوصف بالممدوح في أغلب الأحيان.
يضيف الطوقات، في ظل الفتنة تجد الشعر قد أغمض عينيه عن وصف الطبيعة نسبيا، وخفت صوته بها، وغلب عليه شعر المديح الذي لم يكن مديحا فحسب، بل عبر عن معان أخرى كانت حاضرة في ذهن الشاعر، وفرضت نفسها على أبيات القصيدة، كالتعبير عن مشاق السفر، ووعورة السبيل، وصور الوداع، وآلام الغربة، والإحساس العميق بالضياع في مجتمع انهارت دعائمه وأركانه.
ويرى المؤلف أن الفتنة وأسبابها هي الباعث على ظهور شعر الغربة ونموه في هذه المرحلة من تاريخ الأندلس، وهذا الشعر أغلب نظمه الشعراء تعبيرا، عن شجونهم العاطفية أو جدالا لخصومهم، وشكوى من أهل زمانهم؛ حيث ورد كثير من الشعر الذين يشكو فيه أصحابه من حياتهم في الغربة وما يلاقونه من آلام وصعوبات، حتى أصبحت العودة إلى الوطن حلما صعب المنال أو أمرا مستحيلا يقف الموت دونه.
وعن تأثير الدمار والخراب الذي حل بمدينة قرطبة، يقول "كان لهذا الدمار والخراب وقع خاص على الشعر والشعراء في الأندلس، ففي الشعر كان موضوع بكاء قرطبة حاضرا قويا فيه، وكان الشعر سجلا ومرآة لمرحلة من حياتهم، وتعبيرا فنيا حيا وصادقا عن مشاعرهم وعواطفهم تجاه نبكة قرطبة من جهة، ومن جهة أخرى تعبيرا عن همومهم الشخصية والفكرية في صراعهم مع الحساد والمناوئين لهم من أهل زمانهم، ثم وصفا صادقا لمعاناتهم في الرحلة والاغتراب والحنين إلى الديار التي أصبحت إطلالات أوعدت جافة مودتها لهم، أو حين أجبروا على النزوح عنها".
وعن الموضوع، يشير الطوقات إلى تأثير الموضوع في الشعراء، فصدر في كل ما نظموه من أشعار عن تجربة حقيقية معيشة، ويستقي لغته من واقع التجربة، ومن ثم اتسمت تجربة الشعراء بالصدق في شعرهم، ولغتهم بالحيوية والعفوية، ومما يدخل في هذا المنحى الشجي الذاتي أشعارهم في الحنين إلى الماضي، والحنين إلى الأهل والأحباب الذين تفرقوا، إلى الألفة والعشرة الطيبة التي افتقدوها، داعين بالسقيا لتلك الأيام الجميلة.
ويضيف "كان للفتنة العامل الأبرز في تشكل الذوق الأدبي، وتحديد وجهته، فقد كان الشعراء يقولون الشعر استيحاء من المواقف النفسية التي كانت تعرض لهم، ومن التجارب الحية التي كانوا يمرون بها، ولم يكن الشعر تهويما خياليا فحسب، أو مجرد صنعة فنية أو تقليدا لتجارب الآخرين، بل هو سرد أدبي للواقع، وتسجيل فني له، أو انعكاس مباشر له".
وظل الدور الدعائي على خجله متابعا لأحداث الفتنة في الغالب، إلا أنه قد تراجع بصورة لافتة إلى النظر، وذلك لزهد كثير من الرؤساء في الشعر والشعراء، فقد كان معظم هؤلاء الرؤساء من البربر من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت القوة العسكرية متفردة في تحديد الواقع السياسي والاجتماعي على أرض الواقع، فسليمان السمتعين كان أمويا شاعرا وأديبا، ومع هذا لم يجد الشعراء موطئ قدم في لاطه، ولم يوسع لهم في مجلسه؛ لانشغاله بتثبيت أركان حكمه؛ مما أثر تأثيرا سلبيا في الحركة الأدبية والثقافية.
وخلص إلى أن الشعر في ظل عهد الفتنة كان يعمل بطاقة الدفع الذاتي؛ أي أن الشعر يتوقد كردة فعل ناجمة عن تفاعل الشعراء بواقعهم الجديد الذي كان كفيلا بهز قرائحهم، واستجلاب انفعالاتهم وعواطفهم، فالشعر في هذه المرحلة صورة قريبة للواقع، فأبيات المديح التي كانت تنظم بوصفها وسيلة للكسب مع رخص البضاعة، وقلة الطلب، وميل عدد من الشعراء إلى نظم الشعر في مواضيع عدت هروبا من الواقع كالنظم في الشراب وإغراق الهم، وشعر التلهي.