الدمج/وزارات/هيئات 1

مسار الحديث عن دمج الوزارات والهيئات والوحدات المستقلة في الاردن هو كمسار البورصة، تارة» تراه في صعود وتارات أخرى عكس ذلك، واضح أنه في هذه الأيام على صعود، لكننا إذا تساءلنا هل قرارات الدمج أو قرارات فك الدمج التي تتخذ بين الفينة والأخرى هي قرارات مدروسة ومبنية على أسس علمية منهجية وسليمة؟ أجزم بأنها عكس ذلك، إذ إن أغلب المرات التي قرر رؤساء الحكومات بها الدمج كانت مبنية على اجتهادات فردية وعلى العاطفة ودون أي قرارات مبنية على دراسات معمقة في هذا الشأن.اضافة اعلان
سأتكلم في هذا المقال عن دمج الوزارات وفي المقال القادم عن دمج الهيئات والوحدات المستقلة.
برأيي المتواضع ورغم أننا نعاني من تضخم كبير في عدد الوزارات في الحكومة الاردنية إلا ان قرار دمج الوزارات في الوقت الحالي غير موائم على الإطلاق وذلك لعدة أسباب أبرزها هو التالي:
أولها أن الدمج الذي نقوم به بالاردن هو ليس دمجا حقيقيا، ففي كل المرات التي تم بها دمج وزارتين، تبقى هاتان الوزارتان على وضعهما القائم كوزارتين منفصلتين إداريا، حيث تبقى الكوادر على ما هي عليه والوزير يقوم بتقسيم أيامه بين الوزارتين مما يسبب تأخير وتراكم الكثير من المعاملات وتعطيل مصالح المواطنين وتباطؤ عمل الوزارتين معا، قناعتي أن ما يتم توفيره هو فقط راتب وزير في هذه الحالة، وهذا شيء مضحك اذا ما قارناه بالمساوئ الناتجة عما ذكرته آنفًا ولا يتم أي وفر حقيقي في النفقات التشغيلية.
السبب الثاني والذي يدعوني لقول ان التعديل ليس بوقته هو الوضع الاقتصادي السيئ الذي نمر به، نحن اليوم ومع هذه الجائحة أمام نسبة دين عام للناتج المحلي الإجمالي قدره 100 % وهذا حسب بيانات وزارة المالية في نهاية شهر آذار الماضي، وهذه هي نسبة عالية وخطيرة جداً في هذا الوقت، لذلك نحن بحاجة لجهد الجميع ليقوم بدوره الكامل على أتم وجه في هذا الظرف وما أخشاه هو أن يكون الدمج «عذرا» للبعض مستقبلًا لتنصله وعدم القيام بدوره المطلوب، أي انه لم يستطع القيام بكامل مهامه لأنه كان مثقلًا بوزارتين، علينا الا نخلق من ذلك عذرًا لمن لا يريد أن يعمل بكامل جهده في المستقبل القريب.
ثالثًا وأخيرًا أن واحدة من أكثر الوزارات المعنية بالدمج هي وزارة البيئة، وهنا لا بد من الإشارة أن دمج وزارة البيئة مع وزارة أخرى لا يخدم المصلحة العامة بتاتا وخصوصاً إذا ما علمنا انه يتعارض مع الدور الذي تلعبه وزارة البيئة ومع مهامها الرئيسة المتمثلة في كون هذه الوزارة وزارة رقابية تعمل على حماية البيئة من النشاطات التي تؤثر سلباً على البيئة والتي تتضمن النشاطات التي تقع تحت مظلة الوزارات الأخرى كالنقل، الزراعة، الطاقة، السياحة، الإدارة المحلية الخ، وعليه فإن دمج هذه الوزارة مع أي وزارة أخرى سيؤدي الى تضارب في المصالح وهذا ما ورد أيضًا في تقرير حالة البلاد الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي، من الممكن أن تكون طرفا مستقلا يتبع رئاسة الوزراء ولكن دون دمجها مع أي وزارة أخرى. في الولايات المتحدة وكالة البيئة الأميركية ولدورها الرقابي على الوزارات الأخرى لها سلطة أعلى من سلطات الوزارات وقراراتها نافذة على تلك الوزارات.
واضح إذا أن الدمج بين الوزارات لا يفي في الوقت الحالي بالحاجة لأنه لم يقم على أسس علمية والدمج الحقيقي هو ما يؤسس له من القاعدة ليبنى على أسس متينة ورصينة وليس من رأس الهرم المؤسسي.
نحن بحاجة لتقسيم عمل الوزارات حسب القطاعات كما هو معمول به في معظم دول العالم وباعتقادي أنه حان الوقت لوقفة مراجعة وتقويم لهذا الشأن بطريقة علمية هادئة وبعيداً عن أي استعجال يفي بحاجة الدولة الأردنية لتطويرها والذهاب بها في المسار الصحيح وقناعتي أنه إذا اردنا دمجا حقيقيا فعلينا البدء من «الهيئات والوحدات المستقلة أولا» وذلك لبناء قاعدة حقيقية لدمج الوزارات المعنية بالدمج وهذا ما سأتكلم عنه في المرة القادمة.