الدولة الهشة على الطريقة العربية

قد لا تكون مرت ظروف انكشفت فيها الدولة الوطنية العربية كما يحدث هذه الأيام؛ وبالتحديد في الأجواء التي يصنع  فيها الأعداء ويعاد رسم خطوط التماس وتعريف مصادر التهديد والمخاطر، كما هو الحال في الطريقة التي تبنى فيها التحالفات وتنتقل من خلالها القوة من مركز إلى آخر. يمنحنا الوضع العربي الراهن فرصة أقوى للتأمل في مصائر الدولة الوطنية الراهنة وإلى أين تسير؟ كما هو الحال في إعادة تقدير المواقف الاستراتيجية ومصادر التهديد في التعامل مع السياسة الأميركية أو النفوذ الاستراتيجي الروسي الجديد في المنطقة ومرحلة استدعاء الهيمنة الدولية فبعد عقود من رفض العلاقات الدولية الظالمة دخلت المنطقة في نمط جديد من الهيمنة الدولية المرغوبة. اضافة اعلان
فعلاوة على المعايير التقليدية لقياس الدول الهشة مثل غياب التنمية الاقتصادية والتدهور الاقتصادي الحاد، وتصاعد الضغوط الديمغرافية، وفقدان شرعية الدولة والفساد وتدهور نوعية الحياة وتدهور الخدمات الأساسية وضعف المؤسسات فإن معيار تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين مثل التدخل العسكري أو شبه العسكري أو الإملاءات السياسية وارتهان الإرادة العامة لقوى خارجية، قد يكون أبرز مظاهر الدول الهشة في العالم العربي في هذه اللحظات التاريخية وهو ما يتمثل في حالة الانكشاف الحاد والركون المباشر في البحث أكتاف خارجية، حيث تتقاسم العواصم المتصارعة هذه النزعة وتتصرف على هذا الأساس.
محنة الكيانية العربية بعد مشروع الاستقلال أنها بقيت أسيرة ثلاثة تيارات أو قوى ما تزال تتصارع إلى هذه اللحظة على المستقبل. لكنها جميعا حينما وصلت إلى السلطة تنازلت بشكل أو آخر عن استقلالها.
محنة الدولة اليوم تبدو في أشد صورها، حينما خدمت التحولات والظروف الراهنة العودة إلى  الصراع بين التيارات الثلاثة من دون أساس متين لظهور كتلة عريضة من الجميع؛ تؤمن بالدولة الوطنية الديمقراطية، وتعمل على تدشينها، ما يكشف حجم فجوة التقدم الاجتماعي والثقافي التي تعاني منها المجتمعات العربية.
قبل عقد، كنا نتصور أننا أمام بداية نمو ظاهرة وطنيات عربية، تحمل بعض شروط المناعة ضد العنف المباغت، مع إمكانية بروز حركة إصلاحية حقيقية تأتي من الداخل هذه المرة. لكن مسار الأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية، ذهب إلى خيبة أمل جديدة. وها نحن نكتشف زيف ظاهرة نمو الوطنيات، وأنها لا تُنتج عناصر بنائية جديدة، بل عناصر دافعة نحو المزيد من الجهوية والفوضى.
في كل مجتمع عربي، نمت اتجاهات من الردة الاجتماعية. وهي قد تختلف من مجتمع لآخر، لكنها تلتقي في النهاية في تجريف فكرة الدولة، وزجها نحو المزيد من الهشاشة والضعف. ونلاحظ أن الخرائط السياسية والثقافية الجديدة أعادت العشائر والعائلات إلى الواجهة السياسية في معظم دول التحولات العربية.
في العالم العربي المعاصر لا توجد دول عميقة؛ فالكيانات السياسية الهزيلة تذهب ويذهب معها كل ما جاءت به في رمشة عين، فيما تبقى الثقافة المجتمعية المعاصرة التي غرستها عوامل تاريخية طويلة، ومدد من التجهيل والفقر والعوز. وهي ثقافة مسكونة بالخوف والوهم ورفض التغيير، والشك والريبة والفردانية والانغلاق. وهذه هي قيم الممارسة السياسية العربية المعاصرة، وبما يفسر طبيعة الصراعات القائمة حاليا في زمن التحولات وما يجعل استدعاء الهيمنة الخارجية أمرا مباحا.