الدولة الواحدة من اليسار إلى اليمين

إذا كان الفلسطينيون وكثير من العرب حائرين هل يجب أن يتركز نضالهم، مرحليا على الأقل، على حل الدولتين وتقاسم فلسطين التاريخية؟ أم يجدر العودة للنضال على أساس الدولة الواحدة؟ فإن هناك بعض الأفكار التي يمكن تبنيها لتكون خيارات عملية، من دون انتظار حسم الأسئلة الكبرى. فكرة الدولة الواحدة ما تزال غير ناضجة وفيها الكثير من التفاصيل والتنوعات، بين من يدعو إلى دولة ثنائية القومية، تتعايش فيها قوميتان: عربية ويهودية، ربما ببرلمانين منفصلين وأجهزة حكومية منفصلة، تنسق فيما بينها في نمط غريب لفدرالية من السكان لا الأراضي. وهناك من يطرح دولة لمواطنيها أي العرب واليهود من دون تمييز. جميع هذه الحلول مرفوضة من قبل إسرائيل. وهناك مماطلة بهدف كسب الوقت، حيث يحلم سياسيون إسرائيليون، يزداد عددهم بفضل تزايد مساحة دور الصهيونية الدينية، باستكمال طرد الفلسطينيين من سائر فلسطين التاريخية، (1948 و1967)، أو على الأقل بتقييد وجودهم في كانتونات معزولة، وأنماط من الحكم الذاتي والترتيبات الاقتصادية الهزيلة، التي لا ترقى لدرجة الاستقلال الوطني والسيادة. بعيدا عن الحيرة والانقسام العربيين والرفض الإسرائيلي، هناك حلول وإجراءات يمكن أن تفرض ذاتها. فعلى سبيل المثال في الأراضي المحتلة العام 1948 هناك قضية أساسية تحتاج للتوقف، هي سياسات التمييز العنصري والاستهداف اليومي للفلسطينيين في حقوقهم في السكن والتعليم والعمل وما إلى ذلك. تصعيد النضال الفلسطيني في العمق العربي (الأراضي المحتلة العام 1948) وصولا إلى مرحلة المقاومة الشعبية السلمية على قاعدة تحقيق حقوق المواطنة الكاملة هو جزء أساس من استراتيجية نضال وطني يشمل فلسطين من البحر إلى النهر. وإذا كان جزء من جوهر فكرة الدولة الواحدة هو حقوق المواطنة الكاملة والتعبير القومي عن الشخصية الوطنية الفلسطينية، فإنّ وجود تمايز المطالب بين جزأي الوطن الفلسطيني (1967) و(1948) لا يلغي وحدة النضال الفلسطيني. يمكن عزو جزء من حالة النهوض العربي في العمق التاريخي الفلسطيني إلى اشتداد حملات التهويد الصهيونية وسياسات التطهير العرقي المغلف برداء التمييز العنصري الممارس من قبل الكيان الصهيوني ضد "عرب 48"، ولكن عوامل أخرى منها حالة النضج في الحركة السياسية والثقافية العربية بين هؤلاء الفلسطينيين، وتوليهم دورا في التصدي للسياسات الصهيونية إزاء المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بموازاة منع باقي الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة من دخول القدس، وبموازاة أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها هؤلاء الفلسطينيون، حيث نحو 50 % من العرب تحت خط الفقر، ونسبة البطالة في الفئة العمرية 35 - 54 نحو 27 %. يبدو أن مطالب حقوق المواطنة الكاملة ورفض يهودية الدولة (إسرائيل) هي أساس صالح لنضال مطلبي عربي في فلسطين 1948، شريطة أن يكون ذلك ضمن جبهة عربية مساندة فاعلة. وحركة تضامن دولية. يضاف لها المقاومة الشعبية وبناء دولة الأمر الواقع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة تعبئة فلسطينيي الشتات مجتمعيا ونضاليا هي معالم يمكن أن تشكل أسسا استراتيجية مقبلة. بكلمات أخرى، ما يثار عن أسس الدولة الواحدة، من حقوق مواطنة يمكن أن يجري بدءا من الغرب إلى الشرق، أو من اليسار إلى اليمين، بدلاً من أن يكون الحديث منطلقا من أسس حل مشكلة الضفة الغربية وقطاع غزة. وحركات التضامن الدولية، لا يجب أن تقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة، بل يجدر أن نرى حركات عالمية وعربية منظمة تتبنى المطالب القانونية للعرب في فلسطين 48، ولا يتم تجاهل حقوق هؤلاء عند الحديث عن ديمقراطية إسرائيل وسياساتها الداخلية. فإدانة إسرائيل لا تتعلق فقط بالضفة الغربية وقطاع غزة واللاجئين في الشتات، بل وبفلسطين المحتلة 1948 وأهلها العرب.

اضافة اعلان