الدولة تتملص من سن قانون للخدمة المدنية

يعيل غفيرتس

يديعوت أحرنوت - 10/9/2009

الكنز الطبيعي الأكثر تبذيرا في إسرائيل ليس المياه بل المخزون الاجتماعي للشباب المعفيين لأسباب مختلفة من الخدمة العسكرية. وهناك قسم هائل ووفير من السكان، يمكن تجنيده للعمل الفوري في صالح المجتمع والدولة على مستويين عاجلين: العمل في مجال التعليم، ومكافحة الفقر، والعنف، ومجالات الصحة، والإغاثة، الهجرة وحماية البيئة، ورأب الصدوع الاجتماعية، ومكافحة التفرقة والعنصرية.

اضافة اعلان

هذه خطوة مطلوبة، يكمن فيها أيضا ربح آخر للمستقبل – فالتعرض للأزمات الاجتماعية المختلفة سيعزز دور الشباب ويوقظ فيهم التكافل والاهتمام والاستعداد للعمل من أجل التغيير.

تعود فكرة الخدمة المدنية الى 103 سنوات. وقد سبق أن طرحت من المفكر الأميركي وليم جيمز، الذي اقترح توجيه طاقات الشباب من القتال إلى النشاط الاجتماعي. ودعا جيمز إلى تجنيد كامل للشباب في هذه المهمات وآمن بانه "في مثل هذا "التجنيد" سيتحقق النجاح في التوازن بعض الشيء إزاء انعدام العدل، وبالتأكيد كانت أفعال طيبة وإنسانية تأتي في اعقابه".

في معظم دول العالم أصبحت الخدمة الوطنية – المدنية خدمة ذات مكانة، وذلك بسبب المنفعة الكبيرة التي تنتج عنها، وبصفتها هذه فانها تحظى ايضا بتمويل سخي من الدولة. كما أنها تعتبر بديلة للتجنيد الإلزامي في كثير من الدول التي ما تزال تطبق هذا التجنيد، وقد تم النص على ذلك بالتشريع وفي الدستور.

لكن الخدمة الوطنية – المدنية لم تكن أبدا قيمة وطنية في إسرائيل، كهدف بحد ذاتها. وقد ولدت في الخطيئة وتعتبر منذئذ شرا لا بد منه. ويهدف قانون الخدمة الوطنية الذي أقر في العام 1953 ولم ينفذ ابدا، إلى الزام البنات المتدينات المعفيات من الخدمة لاعتبارات دينية بخدمة مدنية لمدة سنتين. وكل الإسرائيليين الآخرين – أبناء، علمانيين، عرب واصوليين – ظلوا خارج هذه التسوية.

وقد فرت كل حكومات إسرائيل من حبة البطاطا الملتهبة هذه لترتيب خدمة بديلة للخدمة العسكرية في إطار القانون. وقبل نحو سنة ونصف السنة، تشكلت بضجيج رسمي "مديرية الخدمة المدنية – الوطنية"، والتي استقرت تشريفيا في ديوان رئيس الوزراء. ولكن إذا كان انبعث أمل في أن تركز المديرية بقدر أقل على ترتيب الخدمة للبنات المتدينات وبقدر اكبر على دمج العلمانيين، والأصوليين والعرب، فقد تبدد هذا الأمل مع قيام حكومة نتنياهو. وفي نيسان نقلت المديرية الى وزارة العلوم كجزء من الثمن الذي طالب به وتلقاه حزب "البيت اليهودي" المتماثل مع المستوطنين.

في الزمن الذي غفونا فيه، وفي الساعة التي نستيقظ فيها كل يوم على الدمار الداخلي والأزمات، هناك دول في أرجاء العالم، بما في ذلك في دول أميركا الوسطى وأفريقيا، توجه الخدمة المدنية – الوطنية فيها طاقات الشباب الهائلة نحو الأهداف الاجتماعية. وقد أجري استطلاع عن جاهزية الشباب غير المستعدين للتجند للقيام بخدمة وطنية – مدنية قبل تسع سنوات، ولكن منذئذ كانت المعطيات قاطعة وواضحة: في أوساط العلمانيين كانت الجاهزية في ذروتها، ولكن ايضا في أوساط الجماهير التي يعارض ممثلوها في الكنيست تشريعا يجعل الخدمة البديلة الزامية، كانت نسبة المؤيدين لفكرة هذه الخدمة عالية للغاية – 63 في المائة في أوساط الأصوليين و 75 في المائة في أوساط العرب.

معطيات التطوع هذه تشدد على مدى تضليل كل البحث الذي يركز على "التملص" من الخدمة في الجيش الاسرائيلي، فالبحث الهام، المجدي والناجع حقا، يجب أن يركز على تملص الدولة من واجبها في سن تشريع يسمح بتطوير هذا الكنز الهائل وانتزاع المنفعة الكامنة فيه لمصلحة المجتمع الاسرائيلي.

في أواخر العام 1997، كرصاصة أولى لبدء السباق نحو رئاسة الوزراء امتشق ايهود باراك ورقة "الثورة المدنية" وتعهد بان يحقق تجنيدا للعلمانيين، والعرب والأصوليين للخدمة الوطنية. ووعد باراك في حينه بانه خلافا لنتنياهو سيكون بوسعه تنفيذ التشريع اللازم، لكن الأمر بدا لاحقا كتعهد عابث، رغم أن هذا التشريع واجب منذ بداية عهد الكنيست، ولم تتوفر الشجاعة لتنفيذه حتى اليوم.

يجب ترتيب الخدمة الوطنية بالتشريع وتخصيص مصادر لذلك تضمن مكانتها ونجاحها. كفى للجبن، يكفي ألاعيب، افعلوا ما يجب، وافعلوا ذلك كما يجب.