الدول العربية.. لماذا غرقت بالمديونية؟

تشير البيانات المتوفرة الى أن الدين العام لنصف البلدان العربية تجاوز 90 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، مع التوقع أن تكون هناك زيادة سريعة له بسبب الارتفاع المستمر في عجز الموازنة، منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث يعتبر العجز المستمر أهم مسبب لارتفاع الدين العام للدول العربية. فقد ارتفع الدين العام لدى الدول العربية المستوردة للنفط من 64 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 إلى 85 بالمئة في 2018. بالمقابل، ارتفع الدين العام في الدول المصدرة للنفط، ومن بينها الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، من 13 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 إلى 33 بالمئة في 2018، مدفوعاً بانهيار أسعار النفط قبل 5 سنوات. وهذا مؤشر واضح على ان المنطقة العربية لم تتعاف بعد من الأزمة المالية العالمية وغيرها من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سادت في العقد الأخير. وخلال السنوات القليلة الماضية حصلت تحولات جذرية على صعيد المديونية في الدول العربية، فحتى سنوات قليلة لم تكن الدول العربية باستثناء القليل منها (الأردن ولبنان) من الدول العالية المديونية، بل إن الدول النفطية مثل ليبيا والسعودية والكويت والإمارات وقطر كانت من الدول المانحة والقادرة على تقديم قروض وضمانات للدول الأخرى. من الواضح أن العالم العربي، باستثناء الكويت والإمارات، يتجه بقوة للاعتماد على الديون الخارجية وبيع السندات أو على المنح والمساعدات والضمانات لسد العجز المتزايد تارة والمتفاقم تارة أخرى في موازنات دوله. ولم يعد الاعتماد على الاقتراض وبيع السندات والمنح مقتصراً على الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل كالأردن وتونس والمغرب، بل تجاوزه لدول نفطية. المشكلة الأساسية في الدين العربي هو أن القروض الجديدة تستخدم من أجل الوفاء بالتزامات سابقة أو للإيفاء بالنفقات الجارية للدول العربية، وبالتالي فإن التزايد في المديونية لا يعكس إصلاحات اقتصادية عميقة أو استثمارات مجدية أو توسعا في النفقات الرأسمالية (اقتراض لغايات جارية غير منتجة وليس لغايات استثمارية مجدية)، وهكذا تتراكم الديون. ولدى البحث عن أسباب ارتفاع المديونية في الدول العربية نجد ان الأسباب في الدول النفطية تعود الى ما يلي: أولا، تراجع أسعار النفط إلى أقل من النصف منذ 2014. وثانياً، تزايد الانفاق على التسلح في الدول العربية، حيث تزيد نفقات التسلح عن 60 مليار دولار سنوياً في بعض الدول. وثالثاً، ارتفاع تكاليف الحروب. ورابعاً، التوترات والانقسامات بين بعض الدول في المنطقة والحصار المفروض على بعضها الاخر. وخامساً، المشاريع الطموحة في مجال البنية التحتية والسياحة في دول أخرى. أما أسباب ارتفاع المديونية في الدول المستوردة للنفط فمنها: أولا، التوترات السياسية المحيطة وحركات اللجوء (مثل الأردن ولبنان). وثانياً، تراجع المنح والمساعدات الخارجية مقارنةً بمستوياتها في فترات سابقة. وثالثاً، ارتفاع الحجم النسبي للقطاع العام وتكاليفه المرتفعة على الخزينة. ورابعاً، برامج الإصلاح والتصحيح الاقتصادي مع المؤسسات الدولية والتي فتحت شهية تلك الدول على الاقتراض. وخامساً، ارتفاع عبء خدمة الدين العام السابق والذي أصبح يشكل نسبة مرتفعة من بنود الموازنات في العديد من الدول العربية. وسادساً، اللجوء للحصول على قرض جديد لخدمة قرض قديم. باعتقادي أنه لضمان استدامة الدين العام في الدول العربية، بمعنى لضمان قدرة الدول العربية في المدى الطويل على موافاة التزاماتها المستحقة، عليها تسديد ديونها في مواعيدها، فإن ذلك يتطلب وضع سقوف للدين العام، وأن تكون فوائد خدمة الدين العام ضمن حدود معينة بحيث لا تشكل عبئاً على مديونية تلك الدول. وأن تنمو المديونية بنسب أقل من نسب نمو الناتج المحلي الإجمالي. وللتخفيف من مشكلة المديونية اقترح ما يلي: أولا، معالجة العجز السنوي في موازنات الدول العربية من خلال ترشيد النفقات العامة. ثانياً، البحث عن مصادر دين خارجية طويلة الأجل، وذات تكلفة منخفضة، وتقليل الاعتماد على الاقتراض المشروط الذي يسبب آثارا اقتصادية سلبية على اقتصاديات الدول العربية. ثالثا، إيجاد استراتيجيات واضحة وطويلة المدى للدين العام تهدف إلى معالجة كافة قضايا الدين العام وتشمل وضع أسس علمية وعملية واضحة للاقتراض المحلي والخارجي من حيث حجمه والدول التي يمكن الاقتراض منها، وبالتالي وضع معايير محددة للاقتراض يتم الالتزام بها من الجهات المعنية كافة من دون استثناء، وتشمل أيضاً خريطة طريق واضحة لتخفيض الدين العام ضمن فترة زمنية محددة. رابعاً، تحفيز النمو الاقتصادي في الدول العربية وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة.اضافة اعلان