"الديار الكركية" للباحث الرواشدة.. مخزون معرفي وثقافي وتراثي

figuur-i
figuur-i

عزيزة علي

عمان- يرى الباحث محمد بشير الرواشدة أن للكرك ميزة تختلف عن باقي المحافظات الأردنية، كونها "هزمت العبرانيين في عهد ميشع المؤابي، وشكلت دولة زمن الأيوبيين والمماليك، ولواء شمل مساحة كبيرة في نهاية الحكم العثماني، ومنها انطلقت صيحة الثوار للتخلص من ظلم الترك".اضافة اعلان
ويتابع المؤلف "أسهمت قواتها الشعبية في فترة العهد الفيصلي في مقاومة الأعداء، ورفض تقسيم سورية والدفاع عن فلسطين، ولرجالها الدور الأهم في تأسيس إمارة شرق الأردن، وظل رجالها يشكلون الأذرع القوية للدولة الأردنية على طول مسيرتها، وقد جعل هذا لها نكهة خاصة عند الأردنيين، ميزوها بأقوالهم وبغنائهم، ومسرحياتهم: "في وجدان الأردنيين: الكرك مثل الجوهرة المنقية"".
ويقول الرواشدة في مقدمة كتابه "الجغرافيا التاريخية للديار الكركية"، الصادر بدعم من وزارة الثقافة، إنه دون في هذا الكتاب تاريخا ميكرونيا وجغرافيا، وكتابة غنية بالتفاصيل الدقيقة عن عيش الناس: المساكن، وأنماط المعيشة، والآبار، والينابيع، والمغارات، طواحين الحبوب، ذكر جماعات في حلها وترحالها، وأقوال الناس المأثورة وحكاياتهم.
وينوه المؤلف الى أنه حرصا منه، وحفاظا على المخزون المعرفي والثقافي والتراثي لهذه المدينة قام بنقل ما في إناء إلى إناء آخر؛ أي من "العقل والوجدان الى الورق"، كما يقول "لخوفي من: الموحشات الشيب والهرم ذاخرا للأجيال. حاولت جاهدا الحصول على المزيد من المعلومات والوثائق التراثية والصور الشخصية لقامات كركية تركت أثرا خلال القرن العشرين، لتزويد هذا الكتاب بها، ولم يصلني إلا القليل".
جاء الكتاب في "232" صفحة من الحجم المتوسط، ويضم سبعة فصول شملت مقدمة مختصرة عن الحضارة القديمة للمكان، وتاريخه الوسيط والحديث زمن الأتراك والزمن المعاصر ويشمل التطورات السياسية لبلاد الشام التقسيم والانتداب ووعد بلفور وتسميات مواقع المكان عبر الزمن، ولمحة جيولوجية عن جغرافية المكان وتضاريسه الفريدة، والبيئات الجغرافية الكبرى، وفصلا عن تسميات مدن وقرى ومواقع الديار الكركية ذات الجذر الآرامي والكنعاني، وفصلا مطولا عن جغرافيتها ومختصرا عن عمرانها وثقافة أهلها.
وفي تصريح لـ"الغد"، يقول الرواشدة "إن فكرة الكتاب تقوم على المكان والزمان، والمقصود الجغرافيا والتاريخ يمثلان خطين متوازيين، وأن كل حدث تاريخي له أرضية جغرافية تم اختيارها ليكون عليها، ويبقى البعد الثالث وهو الفكرة من وقوع الحدث نفسه ولماذا تحديدا على مكانه، لذا أردت أن أجيب بـ لماذا عن كل حدث سواء كان معركة أو بناء: قلعة، قصرا، معبدا، بركة وغيرها".
ويوضح أن الكتاب يتحدث عن الكرك وديارها من خلال التاريخ الممتد إلى 1500 ق.م.، وتاريخها مع سورية يرجع لزمن أبعد بكثير، فهي مملكة زمن المؤابيين، ومحطة تجارية على الطرق العالمية القديمة مثل: الطريق الملوكي ومملكة زمن الأنباط، ومكان لتعاقب حضارات الإغريق والرومان وغيرهم، وشهدت أول معركة بين الحق والباطل في السنة الثامنة للهجرة "معركة مؤتة".
وفي العصر الوسيط، تعرضت مع المشرق العربي لتسع حملات صليبية، وكان حصنها وديارها ذات المناخ المعتدل والإنتاج الوفير، الموقع المهم بالنسبة للصليبيين، وذات الجغرافيا الفريدة ببيئاتها المتعددة والمتنوعة من غورية وهضبية وشبه صحراوية، وأيضا الكرك منطلق الأيوبيين لتحرير بيت المقدس، وجيشعا الكركي استطاع أن يستعيد بيت المقدس العام 1239م عندما وقع مرة ثانية في يد الصليبيين 1229م.
ويبين الرواشدة أن الكرك مملكة أيوبية زمن الأيوبيين وزمن المماليك وهي أمن مصر وظهرها القوي، وهي ثنائي دمشق والقاهرة، ومجمع العلم والعلماء وأصحاب الحرف والمهن وحارسة طريق الحج الشامي، احتوت فصول الكتاب على موجز تاريخي، ونشأة الدولة الأردنية وبيان الدور الكركي: سنة الهية. وموقف الكركية من وعد بلفور، وتقسيم سورية كان الموقف الصلب الرافض، وتزعم حزب المؤتمر 1929م ودعم المجاهدين في فلسطين بالرجال.
ويشير المؤلف الى أن الأساس في هذا الكتاب هو الجغرافيا والأرضية لحوادث التاريخ والمسبب لها، والسبب في عبقرية المكان "الديار الكركية"، ومبعث همة أهلها، وقيام العمران البشري، فتكون الديار الكركية هبة الجغرافية والتاريخ.
ويلفت الرواشدة الى أن الجغرافيا تحدد "الجيوبوليتيك"، وطبيعية العلاقات الإقليمية والدولية من نزاعات واتفاقات وآمال وطموح في الحصول على موارد خارج حدود الدولة، وتحدد السياسة والجغرافية الأمن الاقتصادي للدولة برسم سياسات الاستفادة الكبرى من الموارد.
ويبين المؤلف أن الديار الكركية لعبت قديما دور الوسيط التجاري والأمن الغذائي لساكنيها ولغزاتها لتنوع بيئاتها الجغرافية: مناخا وتضاريسا وتربة، واليوم هي جزء منهم من الديار الأردنية التي تتميز بميزات الديار الكركية التي كانت لها قبل تأسيس الدولة، عندما كانت الديار الكركية عقدة مواصلات وحارسة للتجارة الإقليمية والعالمية وظهيرا أمنيا قويا لمصر ومصدرا للغذاء.
ويشير الرواشدة الى أن الملك الأيوبي نجم الدين أيوب أوصى ابنه بعدم التفريط في الكرك أو إعطائها لأحد ما، لأنها ظهر مصر القوي، قائلا "وإن لم يكن لك ظهر مثل الكرك تفرقت عنك العساكر"، متحدثا عن أهمية موقع الأردن الذي يقع بين ثلاث قارات ما أكسبه ميزات عدة، فهو يقع بين المنطقة المنتجة للنفط وبين الدول المستهلكة له، تمر من أرضه أنابيب النفط، ما جعله محط أنظار الدول المستوردة ما دفعها لحمايته، وأن يكون الأردن بأمن وأمان، ويكون بهذا الموقع الدرع الواقي لأي خطر يهدد أمن مناطق النفط.
ويبين المؤلف أن الأردن استغل موقعه الجغرافي ليشكل بؤرة حضارية تشع على ما خلفها، وليكون رائدا في نشر الوعي التعليمي والصحي والفني والمهني.. وغيره، فكان للأردن ذلك وكانت رؤية الدولة توسيع قاعدة التعليم المدرسي والمعاهد والجامعات، وتوسيع قاعدة الصحة بإنشاء الصروح الطبية ورفع شعار الإنسان أغلى ما نملك.
ويشير الرواشدة الى ما كتبه المستشرق الإنجليزي بيتر جوبسر عن اختياره الكرك لموضوع كتابه المبعوث من أجله من جهات رسمية في بريطانيا، وكان بعنوان "السياسة والتغير في الكرك"، يحث بقول جوبسر "تم اختيارها لتكون مثالا أو أنموذجا لبلدة صغير في الشرق الأوسط العربي، اختيرت لأنها الأكثر تمثيلا من بين البلدان الصغيرة في الأردن التي يقيم فيها أقل عدد من اللاجئين الفلسطينيين، واختيرت أيضا لجذورها التاريخية العميقة، كما أنها تضم أقلية مسيحية لكنها تتمتع بأهمية كبيرة، ولتقاليدها الثابتة المستمرة، وحتى يتم تقديم ملامحها المشتركة مع عدد من الأقطار العربية. وقد حققت الكرك هذه المتطلبات".