"الديمقراطية" الانتقائية للأنظمة التفوقية..!

علاء الدين أبو زينة- يصر الإعلام على وصف ما يحدث في الكيان الصهيوني الآن بأنه أزمة ديمقراطية. ويخدم هذا التناول فكرة أن الكيان الصهيوني نظام ديمقراطي في الأصل، لكن ديمقراطيته الآن مهددة. وبذلك، يتحدد مفهوم الديمقراطية بالدعاية والتأويل أكثر مما يقاس على تعريفاتها الرسمية. ولا يتعلق هذا الخلط بالكيان الصهيوني وحده، وإنما ينطبق على «الديمقراطيات» التي تصف نفسها بأنها كذلك. تقول أدبيات الأمم المتحدة على موقعها الإلكتروني: «لا تدافع الأمم المتحدة عن نموذج محدد للحكومة، ولكنها تروج للحكم الديمقراطي كمجموعة من القيم والمبادئ التي يجب اتباعها من أجل تحقيق مشاركة ومساواة وأمن وتنمية بشرية أكبر. وتوفر الديمقراطية بيئة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتتم فيها ممارسة إرادة الشعب التي يتم التعبير عنها بحرية، ويكون للناس رأي في القرارات ويمكنهم محاسبة صناع القرار…». أما أي «بشرية» وأي «إنسان» فيبدو أنهما يتحددان بتعريف السلطة المعنية لهما. في أميركا والغرب التفوقي، يعنى البشر والإنسان، في الممارسة، الشخص الأوروبي الأبيض، المتمتع بالجنسية. وثمة تمييز تطبيق التعريف المذكور للديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالمواطنين الملونين، أو من أصول مهاجرة، أو ضد أتباع دين أو أصل مختلف. وعلى نطاق أوسع، ثمة تاريخ من السياسات التي تخرج الملايين من دائرة البشرية والإنسانية، وبذلك لا يستحقون الديمقراطية. بدلا من ذلك، يستحق هؤلاء غزو بلدانهم واستعمارهم، والاستيلاء على مقدراتهم، أو ضمان أن تحكمهم أنظمة تابعة غير منتخبة ديمقراطيا، تجعلهم بالقمع مطية مروضة للسادة «الديمقراطيين» في المركز الاستعماري. في الكيان الصهيوني، كل التعريفات متطرفة في تناقضاتها. «الديمقراطية»، بمعنى المساواة في الحقوق والمشاركة والأمن والتنمية، هي شأن يخص اليهود حصرا. ويتم التأكيد على ذلك علنا وبالقانون، في «قانون قومية الدولة» و»يهودية الدولة». ولكن، هناك حتى بين اليهود أنفسهم ثمة تمييز في المكانة والفرصة. وتقول عالمة الأنثروبولوجيا المزراحية ‏في مناقشة لوضع اليهود الشرقيين في الكيان: «على الرغم من أن الأشكناز لا يشكلون ‏‏سوى 30 في المائة‏‏ من مواطني إسرائيل، إلا أنهم يسيطرون على تقسيم السلطة والامتيازات في الدولة». إذا كان هذا حال الأغلبية من اليهود في الكيان، فيمكن تصور وضع المواطنين العرب الأصليين، سواء الذين يحملون جنسية الكيان أو البقية في فلسطين المحتلة. إنهم يعاملون على أنهم أقل من بشر، ولذلك لا يدخلون في حسبة الحقوق والمساواة والأمن وما شابه. وليست هذه الاتجاهات في الكيان سرا أو تتم تعميتها كما يحدث في الغرب وأميركا. إنها الخطاب الرسمي وجوهر برامج اليمين التي يكسب بها الانتخابات. وفي الآونة الأخيرة، وصفت منظمات محترمة الكيان الصهيوني بما هو: نظام فصل عنصري، أيديولوجية وممارسة. أما كيف يمكن وصف نظام عنصري بأنه ديمقراطي، فمن عجائب «الديمقراطية» الانتقائية التي تروجها وسائل الإعلام المنحازة والمنظرون المأجورون. تكتب أورلي نوي، الناشطة في منظمة «بتسليم» في الكيان: «إذا رفضنا أن نفهم في هذه اللحظة بالذات أن الديمقراطية لا يمكن، بحكم تعريفها، أن تتعايش جنبا إلى جنب مع نظام الاحتلال والفصل العنصري والتفوقية، فلن نجد أنفسنا ونحن نكافح مرة أخرى ضد الديكتاتورية فحسب، بل ستكون هذه الدكتاتورية في المرة القادمة أكثر عنفا وحرية وبلا عوائق».‏ ثمة شيء أيضا بشأن «إرادة الشعب» التي تحددها الأمم المتحدة كضرورة ديمقراطية. يمكن قول أن «إرادة الشعب» في الكيان، وفق أي مقاربة، هي تجريد الفلسطينيين من وطنهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وطردهم وإبادتهم ما أمكن. عمليا، كل مواطن في الكيان هو مستعمر يسكن بإرادته بيت فلسطيني مسروق، ويستغل أرضه ويغتصب حيزه. وتعني المشاركة في المشروع الاستعماري-الاستيطاني، سواء من البداية، أو باستكماله بالأجيال الجديدة، أن تعذيب الفلسطينيين كما يحدث هو «إرادة الشعب» المتحققة والمأمولة في الكيان. أين «إرادة الشعب» هذه من الديمقراطية الموصوفة؟ في النهاية، لا يختلف هذا عن «إرادة الشعب» فيما توصف ـ»الديمقراطيات» جميعا. مع الذكرى العشرين لغزو واحتلال العراق، نتذكر كيف أن إعلام المؤسسة في أميركا وحلفها اشتغل على تصنيع رأي عام مقتنع بأن الغزو أخلاقي، تحريري، وضروري لحماية الأمن القومي. وبذلك، كانت «إرادة الشعب» هي الموافقة على الاحتلال ومعاملة منفذيه كأبطال. وعنت «الديمقراطية» بهذا المعنى أن إرادة الشعب الأميركي (الديمقراطي) كانت غزو وقتل شعب آخر، وسلب حريته (أي حرية يمكن أن يجلبها احتلال؟)، وتخريب بلده ومستقبله، وحرمانه من أي حق إنساني. وينطبق الأمر نفسه على كل الاستعمارات المباشرة، أو الهيمنة الحالية على مصائر الشعوب، التي تحدث غالبا بـ»إرادة الشعب» في دولة الهيمنة –على الأقل بانتخابه الساسة الذين يضعون السياسات وينفذونها. كنت سأقترح العمل على تعرية «ديمقراطية» الكيان وفضحها أمام الغربيين الذين يصفونه بأنه شريك في الديمقراطية والقيم. لكن الحقيقة هي أن الكيان يتفق حقا مع هذا الغرب في «الديمقراطية والقيم». إنهم يشتركون في ازدراء المختلفين، حتى في مجتمعاتهم نفسها، وفي تبرير السطو على حصة الآخرين والتحكم في أقدارهم بلا ندم. بل إنهم يكشفون طبائعهم المتشابهة بانتخاب زعماء شعبويين عنصريين معادين للآخر وتفوقيين ليقودوهم. ولذلك لا يمكن أن يتناقض الغرب «الديمقراطي» مع «إسرائيل الديمقراطية»، كما يطبقانها. المقال السابق للكاتب ما “نهاية العالم”..؟!اضافة اعلان