الديمقراطية غير المقيدة وشبكة الأمان الاجتماعي

قد يبدو للوهلة الأولى أن المادة 112 الفقرة 4 من الدستور الأردني تضع قيداً على صلاحيات مجلس الأمة في عمل مناقلات بين فصول النفقات، إلا أن الحقيقة الجلية هي أنها أجازت لمجلس الأمة بعد انتهاء مناقشة مشروع قانون الموازنة أن يقترح وضع قوانين لإحداث نفقات جديدة. فالمادة تنص على ما يلي: "لمجلس الأمة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة أو في القوانين المؤقتة المتعلقة بها أن ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقاً للمصلحة العامة وليس له أن يزيد في تلك النفقات لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراح المقدم على حدة على أنه يجوز بعد انتهاء المناقشة أن يقترح وضع قوانين لإحداث نفقات جديدة". علاوة على ذلك، فإن نص المادة 112 الفقرة 3 من الدستور قد اشترط وجود قانون حتى يتم السماح بنقل أي مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة من فصل الى آخر. فهي تنص على ما يلي: "لا يجوز نقل أي مبلغ في قسم النفقات من الموازنة العامة من فصل الى آخر إلا بقانون". نطرح هذه النقاط المهمة أمام البرلمان؛ حيث إنه يناقش اليوم مشروع قانون الموازنة للعام الحالي، وفي مثل هذه الظروف؛ حيث كنت قد كتبت يوم الأربعاء الماضي في هذه الزاوية، كنا نتوقع من اللجنة المالية في مجلس النواب اتخاذ خطوات متقدمة لتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، على أن يكون ذلك بتحويل مبلغ 148 مليون دينار، الذي أوصت اللجنة المالية بتخفيض النفقات بمقداره، الى الفئات المستحقة للدعم، وخصوصا أن البيانات المتوفرة عن رصيد حساب صندوق "همة وطن" تشير الى وصوله اليوم الى 1.2 مليون دينار فقط بعد أن كان أكثر من 94 مليون دينار. كل ذلك انطلاقا من قناعتي التامة بضرورة مساهمة خزينة الدولة في دعم الفئات الفقيرة والأكثر استحقاقاً وتضررا في مثل هذه الظروف التي فرضتها جائحة كورونا. ومن هنا فإنني أقترح على مجلس النواب لدى مناقشته مشروع قانون الموازنة للعام 2021 ما يلي: أولاً، التخلي عن توصية اللجنة المالية بتخفيض النفقات الرأسمالية لإعطاء المجال للنفقات الحكومية للمساهمة في إحداث نمو اقتصادي، المملكة بأمس الحاجة إليه الآن. وثانياً، تقديم مشروع قانون عاجل لشبكة الأمان الاجتماعي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وتخصيص مبلغ لا يقل عن 250 مليون دينار لدعم الفئات الأكثر فقراً وتضرراً في المجتمع من هذه الجائحة يمول من خلال إصدار سندات تنموية فردية، يستفيد منه الأفراد وليس غيرهم. وهذا بالطبع يتطلب تعديل موازنة التمويل بإضافة بند إصدار سندات تنمية بقيمة 250 مليون دينار في جانب المصادر والمبلغ نفسه في جانب الاستخدامات لينفق على بنود شبكة الأمان الاجتماعي التي يحددها القانون المقترح، وخاصة صندوق المعونة الوطني وغيره. أما فيما يتعلق بالأسباب الموجبة للتشريع الجديد، فالبرغم من أنها واضحة للعيان إلا أنه لا بد من وضع الحجج المقنعة والدامغة لإقناع صانعي القرار بضرورة هذا القانون. ففي الاقتصادات المثالية تقوم عوامل السوق بمهمة توزيع الموارد والدخل ولكن في الواقع لا يمكن لأي اقتصاد العمل وفقا للشروط المثالية وعادة ما تختفي اليد الخفية التي تصحح الاختلالات. ففي ظل هذه الظروف كل اقتصاد سوق يعاني من عيوب تؤدي الى تفاقم الأمراض الاقتصادية مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. ولهذه الأسباب لا بد من دور أكبر للحكومة لدعم الفئات الأكثر تضررا من تداعيات جائحة كورونا.اضافة اعلان