الديمقراطية مريضة

يديعوت احرونوت

شمعون شيفر 9/1/2011

لن أنسى أبدا تلك المكالمة الهاتفية التي أجراها معي رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن. وقد أجريت المكالمة بعد عدة دقائق من بثي في صوت اسرائيل عن قرار الرئيس الاميركي رونالد ريغن بأن يرسل الى بيروت في نهاية صيف 1982 مئات الجنود الاميركيين لضمان خروج زعيم فتح ياسر عرفات وجنوده الى تونس. وكان يفترض بقرار ريغن أن يؤدي الى وقف النار في حرب لبنان الأولى.

اضافة اعلان

قلة من بين الوزراء ومن بين مستشاري بيغن كانوا شركاء في قرار الرئيس الاميركي. وقد اعتبر الامر سر دولة من المستوى الاعلى.

بيغن بدا في المكالمة الهاتفية عاصفا جدا. فقد أعرب عن تخوفه من ان يؤدي التسريب الى اطالة الحرب وإيقاع ضحايا وجرحى في الميدان. وقال ان الكونغرس الاميركي لم يصادق بعد على ارسال الجنود الى لبنان. وكشف رئيس الوزراء النقاب لي عن ان مسؤولين كبار في جهاز الامن العام يشيرون عليه الشروع في تحقيق وتقديم مستشاريه الى الفحص في آلة الكذب في محاولة للعثور على المسرب.

قال بيغن: "انا اقول لهم انه رغم الأضرار الحقيقية التي لحقت بالأمن الوطني، لن أسمح لموظفي الدولة ان منتخبي الجمهور بأن يخضعوا للتحقيق في آلة الكذب. اليوم الذي اوافق فيه على ذلك سيكون نهاية الديمقراطية في اسرائيل". ليس أقل. واضاف بيغن يقول: "للحفاظ على النظام الديمقراطي يجب دفع الثمن، حتى لو كان ثقيلا على الحمل".

تذكرت هذه الأقوال التي تقشعر لها الأبدان حين سمعت طلب نتنياهو من المخابرات الشروع في تحقيق مع مستشاريه في مكتب رئيس الوزراء، وفي مكاتب اخرى بعد أن تسربت الى وسائل الاعلام أنباء من مصادر حساسة.

فكروا كيف هو الحال بالنسبة للعمل في المكتب، حين يصبح المستشارون الاكثر قربا من نتنياهو مشبوهين وموضع تحقيق. في ذات الايام يتعين عليهم ان يواصلوا تقديم المشورة له وان يؤدوا مهمات حساسة. فهل يمكن لاحد أن يتصور ان في مثل هذا الواقع سيدار مكتب رئيس الوزراء بشكل سليم؟ يمكن فقط ان نخمن كيف أن مستشارا ما يلاحق المستشار الآخر. كل واحد يجمع مادة تدين غيره.

أنا أغطي أنباء رؤساء الوزراء في اسرائيل منذ عهد بيغن. وفقط عند نتنياهو طُلب مني قبل بضعة اشهر ان أدخل الى سيارة مسافرة كي أجري حديثا مع أحد مستشاريه، تخوفا من أن يكون ملاحقا. ولم يكن يدور الحديث عن تسريب.

الاستنتاج الطبيعي هو أنه أغلب الظن يعيش رئيس وزرائنا في فيلمه الخاص: محوط بأعداء في المحيط الأقرب له. واذا كان كذلك، فهل يمكن الاعتماد على القرارات التي يتخذها في مثل هذه الأجواء؟

النظام الديمقراطي، كما فهمه مناحيم بيغن، ألزم رئيس الوزراء بالوقوف الى جانب كل واحد من وزرائه، كل الوقت. فهل كان يتصور أحد ما الصورة البائسة التي وقعت الاسبوع الماضي في الاحتفال الرسمي بذكرى المتوفين في حريق الكرمل؟ رئيس الوزراء يقف متوترا وفزعا خلف حراسه، بينما يطرد وزير الداخلية في حكومته من الاحتفال مكللا بالعار. نتنياهو بقي في الخلف، لم ينبس ببنت شفة ولم ينضم الى ايلي يشاي. فضل أن يبقى، فيكمل المقطع الذي أعده عن المشاركة في كرب أبناء العائلات. وحرص على الا ينظر اليهم في الوجوه، بل كما تعلم في التدريبات الإعلامية السابقة، النظر دوما الى عين الكاميرا.

مناحيم بيغن صاغ ما هي في نظره الديمقراطية وما هو ثمن المسؤولية الذي يجب أن يأخذه على عاتقه حين تخرج الامور عن السيطرة. هذه ليست حالة نتنياهو. الخيمة التي اجتمع فيها رؤساء اجهزة السلطة في بيت اورن ذكرتني بالفقرة من سفر القضاة: "وفي تلك الأيام لا يوجد ملك في اسرائيل. كل واحد يفعل كما يشاء".