الدين العام والتقاعد والرواتب في 2020.. حلول للتحفيز المالي

جواد جلال عباسي*

عمان - في خضم جائحة الكوفيد- 19 الحالية طلب كل من البنك الدولي وصندوق النقد من الدائنين الحكوميين لأفقر 76 دولة في العالم وقف خدمة الدين اقساطا وفوائد. كذلك طالبت أكثر من 100 منظمة عالمية بوقف كل دفعات ديون الدول الفقيرة كافة في 2020. وهو ما يؤكد ان هناك توجها دوليا للمرونة فيما يخص ديون حكومات الدول التي لا تملك ترف القدرة على الاستدانة الرخيصة المتوفرة لدى الدول الصناعية مثل أميركا واليابان وألمانيا وغيرها.
يعطي هذا بارقة أمل للحكومة الأردنية في سعيها لإنقاذ الاقتصاد الأردني من تبعات الكورونا. لذلك يجب البناء على التوصيات الدولية هذه وبذل كافة الجهود الديبلوماسية للحصول على فترة سماح لأقساط وفوائد الدين الخارجي الأردني للعام 2020 وحتى نهاية 2021 ان أمكن. بما ان الدين العام الخارجي تجاوز 12 مليارا و350 مليون دينار -حوالي نصفه لصالح حكومات صديقة بالإضافة للبنك الدولي- فان الحصول على فترة سماح لنصف الدين سيعفي الخزينة من أقساط وفوائد سنوية قد تتجاوز المليار دولار في 2020.
هكذا توفير في كلفة خدمة الدين العام سيخفف الضغط على الميزانية الحكومية ويعوض الكثير من انخفاض متوقع في الإيرادات الضريبية خصوصا في النصف الأول من العام 2020. وربما سيسمح بزيادة الانفاق الرأسمالي في مشاريع حيوية تخلق العمالة وتزيد الطلب الداخلي. وهو ما عبر عنه وزير المالية حيث أعلن ان الحكومة ستسعى الى عدم تخفيض الانفاق الحكومي بل اجراء مناقلات في طبيعة الانفاق للتركيز على الانفاق الإنمائي الداعم لخلق فرص عمل. وان استطاعت الحكومة زيادة الانفاق في 2020 بمبالغ اعلى من موازنة 2020 سيكون امرا جيدا أيضا.
هذه الظروف أيضا تستدعي التوفير في نفقات كلفة التقاعد المدني وتحويل التوفير الى صرف تحفيزي. هنا تتوقع الحكومة وصول كلفة التقاعد الى مليار و458 مليون دينار في 2020 مقابل مليار و370 مليون دينار في 2019 استلمها 255 ألف متقاعد اصيل و113 ألف متقاعد وريث. حيث يبلغ معدل راتب التقاعد الشهري للمتقاعد الأصيل 400 دينار شهريا.
هذا المعدل الضئيل خادع. لذلك يجب تحليل حصة اعلى 1 % من اجمالي فاتورة التقاعد. واعلى 5 % و10 %. وبعدها التمحيص في كلفتهم والاهم التمحيص في كلفة معلولياتهم. فقد نجد كثيرا من التوفير في هذا البند. فلا يعقل ان نرى الحاصلين على تقاعد "بمعلولية جسيمة" حولنا يقفزون كالغزلان من محاضرة لمحاضرة ومن اجتماع مجلس إدارة الى جاهة عرس! وليكن التمحيص والتعديل مربوطا بالقدرة المالية لكل حالة. مع ضرورة تحويل كل توفير في بند فاتورة التقاعد الى نفقات حكومية حيوية لتحفيز الاقتصاد.
تبقى كذلك فرصة ترشيد نفقات الجهاز البيروقراطي بدون ظلم موظفيه. العودة للعمل بعد الجائحة ستتطلب تباعدا بين الموظفين. ولربما هذه فرصة للعمل بنظام الورديات في القطاع الحكومي. في الدوائر المكتظة التي يوجد فيها عدد موظفين فوق الحاجة يمكن التفكير بان يداوم الموظفون أشهرا متناوبة مع خصم مبلغ من راتب غير المداومين يساوي ما يصرفونه على التنقل للعمل يوميا. فلا ينقص عليهم شيئا وبذات الوقت نوفر تكاليف وتلوث ونفقات مكتبية. وأن يتم صرف أي توفير في هذا البند في انفاق حكومي تحفيزي للاقتصاد عبر مشاريع رأسمالية او تدعيم شبكة الأمان الاجتماعي المخصصة للفقراء.
هناك قراران يجب العودة عنهما في أسرع وقت: منع توزيع أرباح البنوك عن 2019 ووقف سوق عمان المالي. القراران يحرمان الاقتصاد من سيولة مهمة. لذلك يجب إعلان يوم محدد واضح لإعادة فتح سوق عمان بعد إعلان الحزم الاقتصادية الحكومية. وفيما يخص توزيع أرباح البنوك الأهم ان يكون القرار معتمدا على حالة كل بنك على حدة ويمكن كذلك منع تحويل الأرباح الموزعة الى خارج الأردن لغاية نهاية 2020 مثلا. لان توزيع أرباح البنوك عن 2019 يرفد الاقتصاد بسيولة مهمة ويرفد كذلك صندوق الضمان الاجتماعي كونه من أكبر المساهمين في البنوك الأردنية.
كل توفير تستطيع الخزينة الحصول عليه سيكون مفيدا. شريطة الالتزام بتحويل كل توفير في الدين او نفقات التقاعد او الرواتب الى شبكات الأمان الاجتماعي ومشاريع رأسمالية تنموية مهمة للاقتصاد.
هذا ليس وقت تقليل العجز. هذا وقت التحفيز المالي للاقتصاد.

اضافة اعلان

  • خبير اقتصادي