"الدّعاء"

ينطلق الدعاء من حاجة، أو من إحساس بفقدها للحصول عليها وتحقيق وجودها. أي أنّ الدعاء لا يكون من اكتفاء، أو من رضى، فلا بدّ من نقص ما نشعر به حتى ندعو، أو إحساس بظلم، أو رغبة بمزيد. ولا يكون دعاءٌ إلا من مؤمن أو مؤمنة، بقوّة عُليا تسمع وتستجيب، حتى إذا استجابت، أي تحقّق الدعاء الذي هو طلب من القوة العليا، ازداد رسوخ الرأي لدينا أننا على حقّ فيما دعونا، وأنّ هذه القوة العليا قادرة وقديرة. مع أنّها قد تكون حجراً لا يسمع ولا يُبصر، أو قبراً يضمّ رفاتاً متهالكة، أو إلهاً من آلهة الأوثان والطواطم، أو شاماناً يتملى أسرار الأسلاف، أو منحوتة من تمر، أو شجرة، أو رباً معبوداً.. فالمهمّ الإيمان بقدرة الجهة التي تستلم الدعاء على تحقيقه، وقدرتها على الفعل والثواب والعقاب. اضافة اعلان
فإذا كان الدعاء كما أسلفتُ لا ينطلق إلا من إحساس عميق بالنقص أو الحاجة، مادية كانت أم معنوية، مثل الحصول على عمل أو مكافأة للأولى، أو مجرد الحصول على رضى الله للثانية، فما الذي يدفع إماماً أو داعية أو مُفتياً من جنرالات النار والجنة أو شخصاً عادياً أن يدعو على فئة من الناس أو واحد منها بالحرقِ والدمار وهلاك النسل؟! ما هي الحاجة المادية أو الروحية التي يختصرها دعاءٌ بـ"قطع دابر العلمانيين والكفار" على سبيل المثال؟ أو "قطع دابر العسكر"، كما في دعاء لداعية سلفي في حضور الشيخ القرضاوي مؤخراً؟! سوى أنّ الدعاء ينضح بما فيه من رغبة بالتدمير والقتل وإفناء المختلف والمغاير؟! فالدعاء الصاعد من قلب أمّ تفطّر قلبها على ولد لها في الغياب أو الخطر، غير دعاء المرأة ذاتها على جارة لها بأن يتفطّر قلبها على نسلها أو يبتليها الله فيما تحب! الأوّل حقّ طبيعيّ بالحصول على الرحمة، والثاني عدوان صريح وأذى وفهم براغماتي نفعي للألوهة أو ما في مقامها لكلا الداعي والداعية! فالدعاء بالرحمة غير الدعاء بالسحق والمحق.. وأيما فرق بين أن يدعو الإمام أو الداعية أو الواعظ بهداية القوم المخالفين، أو يدعو إلى "قطع دابرهم"! فالأول يخرج من قلب مفطور على معنى الرحمة، أما الثاني فعلى الغِلظة والعنف ومعاني القتل وهوان الروح الإنسانية وفجور هذا الإيمان القائم على الانتقام والهلاك!

[email protected]