الرأي العام ومصدر رسمي!

ظاهرة عامة تواجهها الصحف والصحفيون يوميا، باتت شائعة وتعكس اختلالا كبيرا في العلاقة بين المسؤول والمؤسسات الرسمية من جهة، وبين الرأي العام من جهة أخرى، والتي يفترض أن الإعلام والصحفي وسيطها، وهي ظاهرة مركبة متشابكة الأسباب والأبعاد.اضافة اعلان
فالمتابع للصحافة والإعلام الأردنيين، حتى من القراء العاديين، يلحظ، بلا شك، انتشار ظاهرة تخفّي واختباء العديد من المسؤولين خلف هوية "مصدر رسمي رفض كشف اسمه"، أو مصدر مطلع أو رفيع المستوى، وغيرها من مصطلحات وتصنيفات للمصادر.
في علم الصحافة، والأعراف المهنية، من الجائز والممكن احترام رغبة المصدر، رسميا أو غير رسمي، بعدم التصريح بالاسم والمنصب، ولا يقلل ذلك، إن اعتمدت الأصول المهنية والتوثيق، من أهمية التصريح أو الخبر، بل يكون مطلوبا وملحا أحيانا عديدة اللجوء إلى هذه التقنية، وإخفاء اسم المصدر، لاعتبارات خاصة به، سياسية أو اجتماعية أو غيرها، بل وعلى الصحيفة والصحفي حماية هذا المصدر من الكشف تحت أي ظرف.
لكن من غير المفهوم أن تستهوي العديد من المسؤولين، وتحديدا من صف الوزراء وكبار المسؤولين، فكرة الاختباء وراء هذا الأمر، والتجنب الدائم للتصريح بالاسم الصريح، تحديدا في القضايا الجدلية والساخنة، أو تلك التي تحمل انتقادات، او ملاحظات على أدائهم. والأنكى أنه في بعض القضايا والأخبار العامة والساخنة، يعجز الصحفي عن الوصول إلى تعليق رسمي من كل المسؤولين، حتى تحت لافتة "مصدر رسمي أو مطلع".
وبعيدا عن العموميات، فإن قضية ملتهبة كأحداث معان على مدى الشهرين الماضيين، شهدت تسابقا لافتا في تهرب المسؤولين، بمختلف مناصبهم وأوزانهم، من الخوض فيها للإعلام، ولا يمكنك أن تحصي سوى تصريحات قليلة ونادرة لمسؤولين بأسمائهم حول هذه الأحداث، وتم الاختفاء في غالبها وراء قصة مصدر مسؤول ومطلع ورفيع، فيما جاءت التصريحات "الدسمة" حولها، تحت قبة البرلمان فقط، وبعد أن تحرك نواب للاستفسار والمساءلة. أما في قضية الأوضاع الأمنية الساخنة على الحدود الشمالية للمملكة، والمرتبطة بالأزمة السورية، فإن الكثير من التقارير الصحفية الأجنبية والعربية التي تتوارد للصحافة الأردنية، لا تجد مصدرا رسميا ولا مطلّعا ليؤكدها أو ينفيها، أو يوضحها! وقد يتعرض الصحفي لعملية تقاذف بين أكثر من مسؤول، بحثا عن التصريح، لتغلق أخيرا هواتف المسؤولين، أو يأتي ردها بأن الرقم المطلوب لا يمكن الاتصال به حاليا!
قد تكون القضية الأكثر بروزا في هذا  السياق، قضية التحقيق في استشهاد القاضي رائد زعيتر على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي في 10 آذار (مارس) الماضي، فرغم مرور ثلاثة أشهر، لا يمكن لك كصحفي أن تظفر اليوم بتصريح لمسؤول أردني حول نتائج التحقيق المشترك بالقضية، رغم أن الصحافة الاسرائيلية كانت قد نشرت تصريحات وتقارير عديدة لحكومتها ومسؤوليها، أغلبها طبعا، يحمّل الضحية العزلاء مسؤولية مقتلها.
تهرب مسؤولين ووزراء، وحتى رئيس الوزراء كما في قضية معان، ونتائج التحقيق في قضية زعيتر، من التصريح والخروج للرأي العام والإعلام، ظاهرة سلبية ولافتة، تعكس أساسا، عدم ثقة المسؤول بنفسه، أو بقراراته، أو تهربا من تقصير في عمله وواجباته، فيما لا يخفي بعض المسؤولين أن سبب تهرّبهم من الإعلام هو الخشية من سطوة المسؤول الأول في الوزارة أو الحكومة، والذي يريد أحيانا عديدة احتكار التصريح والإطلالة "الباسمة" على الإعلام، تحديدا في الأخبار المفرحة أو الإيجابية!
على الجانب الاخر، يتحمل الصحفي ووسائل الإعلام جزءا مهما من المسؤولية أيضا، فمطلوب منهم تعرية موقف هؤلاء المسؤولين، المتهربين من مسؤولياتهم، بالتحقيق الصحفي والاستقصاء، ونبش الملفات والقضايا من مصادر ووثائق أخرى، بما يفيد القارئ والرأي العام من جهة، وبما يعرّي المسؤول المقصر والمتهرب من مسؤولياته من جهة أخرى.