الرئيس اليمني على خطى القذافي

لا أحد من الديكتاتوريين يقرأ ما يجري أمامه، ولا أحد يريد أن يتعلم الدرس، وكأن دم الشعوب مجاني أمام عنجهية التمسك بالسلطة.
في اليمن، يدفع الرئيس علي عبدالله صالح الأزمة اليمنية دفعا نحو الحرب الأهلية، متناسيا أن اليمنيين يملكون 60 مليون قطعة سلاح، ما يعني أنه ستحل الكارثة بالشعب اليمني إن أثمر جنوح الرئيس وتفضيله "الخيار الليبي". فمع فشل المبادرة الخليجية والمساعي الرامية إلى ترتيب انتقال آمن وسلس للسلطة، يبدو اليمن وكأنه دخل في مجهول الحرب الأهلية، وهو الأمر الذي ليس في صالح أي طرف من الأطراف الداخلية أو الإقليمية، خصوصاً في ظل مخاطر التشظي والتفتيت على خلفية الانقسامات الحادة الاجتماعية والسياسية والقبلية والجهوية، وانتشار السلاح في اليمن.اضافة اعلان
وحين اشترط الرئيس اليمني أن يحضر ممثلو أحزاب المعارضة إلى القصر الجمهوري ليوقعوا معا على المبادرة الخليجية، كان بذلك يناقض نفسه بنفسه. إذ إنه كان اشترط قبل ذلك أن تسبقه المعارضة في التوقيع على المبادرة، وهو ما استجابت له أحزاب "اللقاء المشترك" وفعلته، وقبلها تحجج بأن التوقيع يجب أن يتم في صنعاء وليس في الرياض.. وهكذا كان لدى الرئيس صالح دائماً شروط جديدة، حتى لو ناقضت مباشرة ما سبقها، فالغرض الرئيس من ذلك كله هو التملص من التوقيع، والمزيد من المماطلة والتسويف، بصرف النظر عن الأساليب المستخدمة ومدى هشاشتها أو بؤسها، وعدم صمودها أمام أي نقد.
الأهم من ذلك هو اللامبالاة بالضريبة الباهظة التي قد تقود إليها هذه التصرفات، وما قد تنجر البلاد إليه من جرائها، بل لعل صالح يريد إشهار ورقة الانفلات الأمني والفوضى مع استمرار الضغوط عليه لتسليم السلطة. فبعد ساعات من آخر محاولة للتوقيع على الوساطة الخليجية، اندلعت الاشتباكات بين قوات الحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس أحمد، ومسلحي القبائل المؤيدين لصادق الأحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد، ولم تمض أيام قليلة على القتال حتى سقط أكثر من 100 قتيل ومئات الجرحى، ما ينبئ بحجم الجحيم الذي يمكن أن يذهب إليه اليمن واليمنيون، ومع ذلك فلا شيء يدلل على أن صالح يأبه، كثيرا أو قليلا، بهذا المآل الكارثي الذي يمكن أن ينحدر إليه اليمن، فالهاجس الذي يشغله هو البقاء في السلطة، حتى لو تم ذلك فوق ركام من الدمار والخراب والدماء.
اليمن دخل بالفعل في هذا الخيار الكارثي مع اتجاه النظام إلى مواجهة الاحتجاجات بالقوة المسلحة، والتي بدأها في محافظة تعز الجنوبية عبر اقتحامه ساحة الحرية التي كان يعتصم فيها المحتجون المطالبون برحيل الرئيس صالح وإسقاط نظامه.
وسقط خلال هذه العملية عشرات القتلى ومئات الجرحى، وانتهت باقتلاع الساحة كلياً وتفريق آلاف المحتجين وإحراق الخيام المنصوبة، في عملية عسكرية غير متوقعة، استخدمت فيها القوى الأمنية الرصاص الحي والعربات المصفحة والجرافات وقنابل الغاز ضد المعتصمين، ودمرت القوات المقتحمة المستشفى الميداني في الساحة كلياً، وأطلقت النار على فندق يقيم فيه صحافيون وناشطون كانوا ينقلون العملية العسكرية مباشرة إلى قناة تلفزيونية يمنية معارضة، وساد التوتر محافظة تعز غداة العملية، وشوهد مئات من الجنود ينتشرون في مداخل الساحة وسط حالة ذعر لدى السكان الذين فرّ أكثرهم إلى أحياء مجاورة، بعدما انتشر أفراد الجيش في محيطها وباشروا إطلاق النار على المحتجين لدى محاولتهم العودة مجدداً.
ولأن حال صالح يشبه إلى حد ما حال زميله في الدم الرئيس الليبي معمر القذافي، حيث لم يبق حوله إلا أقرب المقربين، فإن أحد أقارب الرئيس صالح الذي عين حديثاً هو من ارتكب المجزرة، إذ أمر باستخدام القوة المفرطة لتفريق المعتصمين، وشوهد قناصة موالون للنظام يطلقون النار على المعتصمين من أسطح المنازل.

[email protected]