الرئيس مطمئن

اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء وعدد من الكتاب، قبل يومين، ترك لدي -على الأقل- انطباعا بأن الرئيس مطمئن، وأن معنوياته السياسية عالية. وأشار اشارة عابرة الى زيارة جلالة الملك الى رئاسة الوزراء التي قال الرئيس اننا (الكتّاب) لم ننتبه إليها. ويبدو ان تلك الزيارة حملت تطمينات للحكومة في مواجهة الحملة الشعبية ضدها، واستغلال هذه الحملة من قبل بعض مراكز القوى التي ليست في وضع افضل لدى الناس، كونها تعمل لمصلحتها ونفوذها.

اضافة اعلان

لسنا في طور توثيق وقائع اللقاء، لكن ما يلفت الانتباه ان الحكومة ترى ان لها انجازات لا يتم انصافها والاشارة اليها. وهذا من حق الحكومة التي لها انجازات وأعمال، كما ان لها سلبيات وأخطاء.

وإذا كنا تحدثنا، في كثير من المقالات السابقة، عن اخطاء الحكومة وسلبياتها، وما عجزت عنه من ادارة في بعض الازمات، فإنني أشير هنا الى سمة ايجابية، وهي انها حكومة لا تدفع اعطيات من الدنانير ولا من المواقع. وغالبا ما تكون هذه الاعطيات استجابة لضغوط الكبار والنواب، او سعيا إلى استرضاء اشخاص، او لستر عيوب الحكومة وإسكات النقد وصناعة كتيبة اعلامية من اشخاص يدافعون عن الحكومة، كما كان الحال في اكثر من حكومة سابقة.

وشهدنا مراحل سابقة كانت حكومات "تدفع" لنواب اعطيات على شكل قرارات تعيين؛ فنجد ابنا او اخا يمسي يوم الثلاثاء -موعد جلسة مجلس الوزراء- موظفا بالدرجة العليا، فيما موظف يقضي ثلاثين عاما ينتظر الترفيع الوجوبي والجوازي! وبعض الحكومات دفعت اموالا للفقراء، وحكومات دفعت لغير الفقراء. وعندما كانت تغلق "الحنفية"، يثور من تقطعت به سبل الدفعات والتعيينات.

وفي عهود حكومات سابقة، كانت مواسم الثقة والموازنة خصبة بالمقايضة بين المنافع والمواقع. وما نسجله للرئيس الحالي انه لم يدفع قرارات ولا تعيينات ولا اموال.

وهذه الشهادة هي بحسب معلوماتنا المتوفرة، او "حتى ساعة اعداد هذا البيان". نقول هذا لأننا لا نعرف كل شيء، ولا ما هو قادم. وقد سبق ان وصفنا الحكومة السابقة بأنها لا تدفع، لكنها لم تحافظ على هذا اللقب، إذ قامت في ايامها الاخيرة ببعض التعيينات غير الموضوعية، وقمت حينها بكتابة مقال اعتذر فيه للقراء عن المقال السابق. ونتمنى ان لا يتكرر الحال مع الحكومة الحالية.

وللإنصاف، فإن نزاهة اي رئيس ومقاومته لضغوط الكبار للقيام بتعيينات او انفاق مالي في غير مكانه ولغير من يستحق، امر ليس سهلا، ويحتاج اولا الى رئيس غير متورط بشبكة مصالح وأصدقاء وشركات ووكلاء شركات، ومنافع ما بعد الحكومة. واحيانا يكون ضعف الرئيس و"قلة حيلته" سببا في لجوئه إلى الاسترضاء وقرارات التعيين. ولعل الرئيس الحالي مازال محافظا على عدم انجراره إلى الدفع والتعيينات الاسترضائية التي تدفع الخزينة ثمنها. ولو قامت اي جهة رسمية موضوعية بمراجعة ما تم انفاقه، او قرارات تم اتخاذها للاسترضاء وشراء الولاء للحكومة او تمرير موازنة او ثقة، لكان لدينا ملف معقول.

وما دمنا في اطار انجازات الحكومة، فإن عدم التركيز عليها يعود الى اننا عشنا مراحل كان فيها "التطبيل والتصفيق" هو اللغة السائدة، كما ان مشكلات الناس وأداء الحكومة في معالجتها هو الامر الاكثر اهمية. إضافة إلى اننا تعودنا من اي مسؤول ممارسة اسهاب في ذكر انجازاته بشكل غير موضوعي، وتبرير الاخطاء بما فيها تلك الواضحة.

وفي اطار لقاء الرئيس مساء السبت الماضي، فإن مشكلة اي حكومة ليست في النقد الموجه إليها، بل في قدرتها على ممارسة كامل صلاحياتها الدستورية. فالضعف الحقيقي لأي حكومة يكون في تخليها عن بعض صلاحياتها، او غياب الرؤية والموقف؛ وما طالبنا به الحكومة هو ان تمتلك موقفا واضحا من القضايا المهمة، مثل قضية الانتخابات النيابية. فالدستور اعطى صلاحية اتخاذ القرار بإجراء الانتخابات للملك، لكنه اعطى الحكومة أيضا الحق في امتلاك رأي واضح تقدمه لصاحب القرار، وان تدافع عنه وتقدمه بشكل يتناسب مع موقعها كصاحبة ولاية عامة، وليس كطرف مثلها مثل اشخاص. ويكون الخلل عندما تقبل الحكومة ان يكون وزنها مثل وزن شخص.

الرئيس اكد ان الانتخابات البلدية ستجرى هذا العام، وهذا يعني اننا امام موسم مهم. وما لم يقله الرئيس، وهو ليس مسؤولا عنه، استنتاج وفهم خاص بأن مجلس النواب سيجري حله بعد انتهاء دورته العادية. وهنا نشير الى ضرورة ان لا يكون النواب، او حتى رئيس المجلس، طرفا في اتخاذ اي قرار يخص خيارات التمديد او الحل او اجراء الانتخابات او تأجيلها؛ فالمجلس ورئاسته لديهما مصلحة مباشرة وذاتية في تبني خيار التمديد وتأجيل الانتخابات، فهم طرف غير محايد.

[email protected]