الرئيس يترشح

كان "مانشيت" إحدى الصحف اللبنانية عن ترشح المشير عبدالفتاح السيسي دالا ومعبرا؛ "الرئيس يترشح". لا يمكن أن نجد وصفا أدق من هذا الوصف؛ فالسيسي هو رئيس مصر القادم، والبيان الذي ألقاه بهذه المناسبة لم يكن برنامجا انتخابيا، بل الخطوط العريضة لسياسته في الحكم، وهو على كل الأحوال ليس سيئا أبدا. فقد أظهر الرجل تفهما عميقا لمعاناة المصريين وأولوياتهم للمرحلة المقبلة؛ وظائف، وحياة كريمة، ومستوى معيشة أفضل.اضافة اعلان
كما حرص على أن يكون واقعيا، وأن لا يرفع كثيرا من سقف توقعات الشعب، عندما ذكّر المصريين بحجم المصاعب التي تنتظرهم في المستقبل، والحاجة إلى العمل المضني لتجاوز المرحلة الانتقالية، بكل ما يترتب عليها من تحديات أمنية واقتصادية وسياسية.
ووعد السيسي الشعب بأن لا يخوض الانتخابات بحملة انتخابية تقليدية؛ مهرجانات وخطابات في الميادين العامة. ربما يكون ذلك صعبا على السيسي في ظل الظروف الأمنية السائدة، فهو المطلوب رقم واحد على قائمة الجماعات المتطرفة، وخصومه الذين أقصاهم عن الحكم في مصر.
تشير استطلاعات الرأي الخاصة بمؤسسة الحكم في مصر، إلى أن شعبية السيسي تراجعت في الأسابيع الأخيرة مقارنة مع ما كانت عليه في البداية. لأسباب عديدة، خسر السيسي قدرا غير قليل من شعبيته، أهمها تمنّعه في قرار الترشح، حتى بدا وكأنه "يمنّ" بالقرار على الشعب. كما أضر سلوك الإعلام المؤيد له بشعبيته كثيرا، إضافة إلى سياسة الإقصاء التي انتهجها الحكم الانتقالي بحق المعارضين من غير الإسلاميين، ومن كانوا مؤيدين لتدخل الجيش.
انعكس ذلك التراجع في الشعبية، وفق الاستطلاعات، على نسب الاقتراع المتوقعة؛ فمن بين 53 مليون مصري يحق لهم الاقتراع، تشير نتائج الاستطلاعات إلى مشاركة ما لا يزيد عن 27 مليونا في أحسن الأحوال، بعد أن كانت التوقعات في الأشهر السابقة تحوم حول 35 مليون مقترع.
يتوقف مصير السيسي في الحكم على عدة أمور أساسية. أولها، الفريق الذي سيختاره لإدارة شؤون البلاد في المرحلة المقبلة. وتفيد التقارير الواردة من مصر إلى أن السيسي يعتمد بشكل كبير على خبرة المرشح السابق في انتخابات الرئاسة عمرو موسى؛ السياسي المخضرم، الذي يتولى إدارة حملته الانتخابية، ويشرف على إعداد برنامجه الانتخابي، بالتعاون مع فريق من المستشارين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين، في مقدمتهم الاقتصادي الشهير محمد العريان الذي يحمل الجنسية الأميركية، وعمل من قبل مع إدارة الرئيس باراك أوباما في ولايته الأولى، وهو خبير مشهود له بالكفاءة.
وفيما ترجح التقارير أن يتولى عمرو موسى رئاسة مجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية المزمعة بعد "الرئاسية"، لم تتضح بعد هوية رئيس الوزراء المقبل من بين المرشحين الذين يجري تداول أسمائهم.
التحدي الثاني الذي يواجه السيسي، هو قدرته على استعادة الأمن والاستقرار، بما يتيح لعجلة الاقتصاد والتنمية بأن تدور في البلاد. المقاربة الأمنية هنا لا تكفي وحدها؛ يتعين على السيسي العمل بإخلاص من أجل المصالحة الوطنية، وتجاوز سياسة الإقصاء. فمهما اتخذ من إجراءات عسكرية وأمنية، فلن يكون بمقدوره إقصاء قوى أساسية من المشهد في مصر.
كما أن الاعتماد على المساعدات الخليجية، كما قال هو في بيانه، ليس حلا لمشاكل مصر؛ إذ سيأتي اليوم الذي تتوقف فيه المليارات المتدفقة، وعندها ينبغي على المصريين أن يكونوا مستعدين للاعتماد على أنفسهم.
هل ينجح السيسي، أم يسقط في الامتحان ويتحول إلى دكتاتور عسكري جديد، يلقى مصيره بثورة جديدة؟

fahed_khitan@