الراسخون في النهب العام

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن تفشي ظاهرة الفساد في القطاعين العام والخاص على حد سواء.

وتعمقت القناعة لدى المجتمع بأن هذه الآفة آخذة في الانتشار، وسط شكوك في نوايا الحكومات بالوقوف بالمرصاد لإخماد قناعات الناس الملتهبة تجاه الفساد والمفسدين.

فحالات الفساد ما كبر منها وما صغر والرسمي وغير الرسمي، تهدد بإضعاف العملية التنموية في ظل خطاب رسمي لا يلقى قبولا لدى العامة وتحديدا ما يتعلق بالجدية في محاربة الفساد وتفعيل القوانين المتعلقة بها.

خطورة استمرار وتصاعد وتيرة الحديث عن هذه المشكلة من دون إحداث تغيير في قناعات الناس حولها كثيرة، لاسيما وأن إهمال العلاج يسهم في اتساع المشكلة تماما كما تنتشر النار في الهشيم، لدرجة يصعب السيطرة عليها وعلى تبعاتها.

الفساد الذي يصفه رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان عدنان بدران بأنه "انتهاك لحقوق الإنسان وأن الدولة التي يتفشى فيها الفساد آيلة للسقوط والإفلاس" مهم وعميق.

فالعامة التي تسمع بالفساد والثراء المفاجئ يتولد لديها حالة من عدم الرضا والاحتقان تجاه الحكومات على اعتبار أن الفاسدين يسرقون حقوقها ويسطون عليها بما أوتوا من سلطة ومراكز تمكنهم من استغلال القانون من أجل تحقيق مكاسب ذاتية على حساب المنهكين والمستضعفين.

حجم المشكلة محليا لم يصل إلى الحدود الكارثية، إذ ما نزال ضمن معطيات يمكن السيطرة عليها لو توفرت الإرادة القوية لذلك، لا سيما وأن الفساد ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على المجتمعات النامية.

فالفساد يحدث في كل الدول، والفاسدون موجودون في كل مكان وزمان، بيد أن الفارق الكبير بين ما يحدث في الدول النامية وتلك المتقدمة يرتبط بآليات محاربة الظاهرة ومعاقبة الفاسدين.

فالدول التي تحترم القانون وتطبقه بعدالة وتؤمن أن الفساد يهدم الإنجازات ويتسبب بفرقة مجتمعية تخلق مشاكل اجتماعية كثيرة، في ظل اتساع مشاكل الفقر والبطالة واتساع الفارق الطبقي بين الناس نتيجة غياب العدالة في توزيع مكتسبات التنمية.

وعدم الاكتراث يسهم في توسيع حجم المشكلة ويعمق آثارها السلبية طالما أن الناس يعلمون جيدا أن كثيرين ممن فسدوا وأفسدوا أفلتوا من الحساب والعقاب ما يجعل هذا المرض مقبولا اجتماعيا، في ظل غياب العقوبات الصارمة بعكس ما يحدث في الديمقراطيات العريقة التي تطبق القانون بعدالة من دون تفريق.

في الأردن لدينا ثلاث جهات رسمية معنية بمحاربة هذه الآفة هي: ديوان المظالم، وديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، ولدينا من التشريعات ما يكفي لوقف فساد العالم، فالمشكلة ليست في المؤسسات والقوانين بل في توفر الرغبة والإرادة، في فتح ملفات كلنا نعلم أن فيها فسادا.

اضافة اعلان

خسائر الفساد تفوق تلك المادية وتتجاوزها بمسافات، فالخسارة الحقيقية جراءه تكمن في زعزعة المنظومة الأخلاقية الراسخة في المجتمع الأردني الذي ظل موظفه العام يرفض لفترة قريبة فكرة الإكرامية باعتبارها احد مظاهر الفساد، في الوقت ذاته الذي تبين فيه ان الفساد أضحى مؤسسة لها رجالاتها الراسخون في النهب العام .

[email protected]