الربيع الإسرائيلي

إيتغار كيريت — (ذا نيشن)  

ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان
قبل تسعة أيام من تاريخ كتابة هذا المقال، وفي منتصف شارع ابن غيفيرول، وعلى الزاوية من شاؤول هاميليش شاهدت "دي"، ثم تفرقنا بسبب جموع الناس الذين كانوا يتدفقون في الشارع في الطريق إلى المظاهرة في تل أبيب. ومع أنني كنت قريباً لدرجة كافية لتمييزه، إلا أن الكثير جداً من الضجيج الذي كان يحيط بنا حال دون أن استمع على وجه الدقة إلى ما كان يقوله أثناء هتافه. لكنني أنني أستطيع التخمين من حركة شفتيه أنه كان يقول "الشعب يطالب بالعدالة الاجتماعية."
وقبل أيام قليلة وحسب، عندما تحدثت مارغول المزراحية المعروفة جيداً (المزراحي مصطلح يستخدم لليهود الذين هاجروا من العالم العربي إلى إسرائيل)، المغنية وعضو لجنة الحكم في برنامج "ولادة نجم،" وهي النسخة الإسرائيلية من "أميركان أيدول" ضد الثورة الاجتماعية وناشطيها غير "الموثقين"، لا بد وأنها كانت تفكر فيه. و"دي" ذو بشرة شقراء يضع نظارات مستديرة على عينيه، وله شعر أحمر اللون، ويمتلك شقتين تقعان في شارع هادئ في تل أبيب، أعطتهما له عائلته الميسورة الحال. وبالإضافة إلى ذلك، يحمل "دي" شهادة الماجستير بتقدير متفوق من جامعة تل أبيب، ويمارس وظيفة حالمة في واحدة من الشركات الناجحة في حقل التكنولوجيا الفائقة، ومن النوع الذي يشار إليه في الأعمدة المالية. وبإيجاز، فقد فعلها الرجل. وهذا الرجل الذي فعلها بدلاً من أن يجلس في البيت يشاهد خاتمة "ولادة نجم،" تراه يقف وينز عرقاً في منتصف شارع ابن غيفرول ليلة السبت، وهو يهتف بصوت مبحوح سوية مع آلاف الآخرين الذين يقولون إن الشعب يريد العدالة الاجتماعية.
عندما تنظر مارغول، التي كانت قد نشأت في ضاحية فقيرة، إلى "دي" وهو يتظاهر في الشارع، فإنها لا ترى سوى السخرية والأكاذيب. وعندما أنظر إليه أرى شيئاً مختلفاً تماماً. ولأن "دي" خاصتنا ليس مخادعاً، فهو مثل بقيتنا يقرأ قائمة المطالب التي قدمها منظمو الاحتجاج، ويعرف تماماً أنه إذا تمت الاستجابة للمطالب، فلن يعود بمقدوره تأجير شقتيه للذي يعرض أفضل إيجار وفق "اقتصاد السوق الحر"، وهو المفهوم الذي يبدي رئيس وزرائه إعجابه الشديد فيه. ويعرف أيضاً أن الضرائب المباشرة المفروضة على مرتبه العالي ستزداد، وأن الصافي الذي سيتبقى له منه سيقل. لكنه مع ذلك ظل هنا في المكان ويافطته في يده. ولأن "دي"، كرجل أعمال ذكي وفطن، فهو يفهم أنه سيحصل في مقابل الأموال التي سيخسرها على بلد أكثر عدالة ومساواة له ولأولاده، وعندها سيحصل على صفقة جيدة فعلاً.
وقبل أربعين عاماً، عندما طالبت حركة الفهود السود، وهي حركة حقوق مدنية لليهود المزراحي مستوحاة من حركة الفهود السود الأميركية، عندما طالبت بالعدالة الاجتماعية هنا في إسرائيل، كانت الفجوات الاجتماعية الاقتصادية أضيق كثيراً مما هي عليه راهناً. وقد رمقت الطبقة الوسطى وغالبيتها من اليهود الإشكناز (ذوي الأصول الاوروبية) الفهود المزراحي بالخوف والتشكك، لأنه كان من الواضح أن الأموال اللازمة لإعادة إحياء الضواحي الفقيرة كانت ستأتي في نهاية المطاف من جيوبها. لكن الحالة اليوم تختلف تماماً، حيث لا يتظاهر الطلبة في بوليفار روتشيلد في تل أبيب فقط من أجل الوفاء باحتياجاتهم الشخصية، وإنما أيضاً من أجل توفير تعليم أفضل لهم في المناطق القصية، ومن أجل رفع الحد الأدنى من الأجور. ويدعو البعض هذا بأنه "كذبة،" وأنا أصفه بأنه "تضامن اجتماعي."
ولو كنت في مكان مارغول، فلا شيء سيجعلني أسعد من أن أرى 300.000 شخص، العديد منهم لا يتوافرون إلا على القليل جداً من الامتيازات، وهم لا يكافحون من أجل أنفسهم وحسب، وإنما أيضاً من أجل أولئك الذين يتوافرون على أقل. ولكن، وكما هو واضح في إسرائيل المخصخصة اليوم، فإن اختيار القتال إلى جانب حقوق الناس يعد عملاً غير شريف، أو استغلالي، أو مجرد حمق واضح.
 وحتى أسابع قليلة مضت، كانت كلمة "مجموعة"، بالنسبة لجيلي، شيئاً لا تستطيع العثور عليه إلا على الانترنت، في الضواحي الأرثوذوكسية المتشددة أو بين مجموعات الشواذ جنسياً والسحاقيات، فيما عنت "المسؤولية الاجتماعية" متابعة القناة التلفزيونية الصحيحة، وإرسال رسالة نصية للحفاظ على منافسك المفضل من أن يمحى. لكن كل هذا قد تغير. ومن وجهة النظر تلك فإن هذا القتال الذي آمل أنه سينجز الكثير قد نجح أصلاً. فلقد تفتق من رحم الكهف المحيد والشخصاني للنزعة الرأسمالية الراديكالية التي نشأنا فيها. ولم يعد يوجد التقسيم الطبيعي للمجتمع الإسرائيلي حيث ينقسم إلى أولئك الذين يشاركون في الامتحان وأولئك الذين يراقبونهم في الوطن عبر أعين مسمرة أو حاسدة. كما إن السلبية وغريزة التكتل قد قيدت مؤقتاً.
أما بالنسبة لأولئك الذين لم ينزلوا إلى الشارع فإنني أوصي بأن يشاركوا في التجمع الاحتجاجي التالي حتى فقط لمشاهدة كل متظاهر وهو يرفع يافطته الخاصة تلك التي صاغها بنفسه حول الموضوع والتي تزعجه أكثر ما يكون واتل رسمت بلونه المفضل لا في ألوان أسماء الماركات التي ترعى برنامج التلفاز الذي تشاهده وأنت جالس في غرفة المعيشة. وأحضر ابناءك معك. واهتفوا " الشعب يريد العدالة الاجتماعية" معهم في مظاهرة لا تعتمد على العنف ليكون ذلك أفضل درس مدني يتلقوه في هذا العام، كما سيكون ذلك الدرس ليس حول المدنيات بل إنه سيوقظ فيك وفيهم بضع قيم يهودية قديمة ساكنة مثل التعاضد ومساعدة الآخرين وهي قيم لم تستطع حتى الزيارات المدرسية الإجبارية إلى مغارة الآباء في الخليل والتي ترتب لأولادك من جانب وزير التعليم اليميني الجناح تحريكها.
 وفيما يتعلق بإدعاء مارغول في إن ما يكمن وراء كل هذا الكفاح نصف الاشكنازي هو الرغبة السياسية في التخلص من رئيس الوزراء بيبي نتنياهو، وكل ما استطيع طرحه رداً على ذلك هو كشف من عندي: فرئيس وزرائنا المنتخب لم ينشأ ويترعرع في كوخ قصديري. كما إن النظرة الاقتصادية التي تعلمها في كنف والده نافحت دائماً عن خصخصة غير محدودة تجفف مفهوم دولة الرفاه وتجردها من كل معناها. ولذلك فهي ليست بأقل مفاجأة لأن تنزل الجموع إلى الشوارع بهدف رؤية زعيم يتوافر على نظرة عالمية مخالفة قليلاً.
تتفاوت إدعاءات أولئك الذين يريدون إبعاد نتننياهو: فبعضها اجتماعي والبعض سياسي والبعض شخصي لكنها في مجملها واضحة لكل واحد من الناس الذين ينامون في الخيام- بمن فيهم اليهود والعرب يساريو الجناح المسيطرين بهدوء في قلة من هذه المخيمات- من أن هذا الاحتجاج لم يكن لينجم لولا أن الشخص الذي يقف على رأس بلدنا كان زعيماً يمينياً مختلفاً، واحداً أكثر حساسية للمشاكل الاجتماعية. وقد يكون مثل هذا الزعيم ليعمل بجد أكثر لإخفاء حقيقة أن الدعم الضخم من الدولة للمستوطنات بالإضافى إلى ميزانية الدفاع الضخمة لإسرائيل هي من بين الأسباب الرئيسية وراء إهمال حكومات إسرائيل الأخيرة للمواطنين الفقراء وأولئك الذين ينتمون للطبقة الوسطى. لكن نتنياهو حول هذه المشكلة المخفية إلى أيديولوجية يجهر بها.
وكما يحدد القدر، فإننا أمام رئيس وزراء ليس يمينياً متطرفاً وحسب، وإنما منيع تماماً أمام القضايا الاجتماعية. وعليه، وإذا كان نتنياهو يسيء التعامل مع الضعيف ويدمر الطبقة الوسطى، فهل يتوجب على حقيقة كونه لا يؤمن في عملية السلام أن تمنحه الحصانة أمام إبعاده من جانب داعميه اليمينيين من مواطنيه؟
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Israeli Spring