"الربيع العربي" المقبل: هل نحتاج تقريرا دوليا؟

يبدو ممكناً إطلاق القول بأن شعوب العالم كافة، بلا أي استثناء، تنتفض الآن؛ لا على بؤس أوضاعها فحسب، بل كذلك على عدم المساواة وإن في ظل حياة جيدة نسبياً، كما على الفساد وإن جاء في مسار ازدهار اقتصادي نسبي أيضاً. أما التباينات العالمية في هذه الانتفاضات فلا تكاد تظهر إلا في الأدوات المتاحة والمستخدمة. فمثلاً، هيمنة الحزب الجمهوري الأميركي المطلقة أو شبه المطلقة على مؤسسات القيادة والتشريع على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات، هي انتفاضة حتماً، عبر صناديق الاقتراع المتاحة للشعب الأميركي. ومثل ذلك يُقال عن صعود اليمين المتطرف في أوروبا.اضافة اعلان
لكن مع كونها ظاهرة عالمية بحق؛ من فنزويلا إلى الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية، يبدو العالم العربي مرة أخرى استثناء! ليس بسبب جموده، بل يكاد يكون العرب هم مفجرو "ربيع العالم" الجديد؛ وإنما بسبب توصيف انتفاضاته لأجل الحرية والكرامة والعدالة. إذ دوناً عن شعوب الأرض قاطبة، تغدو الانتفاضة العربية، أو "الربيع العربي"، إرهاباً في نظر كثير من دول العالم، وأسوأ من ذلك "مؤامرة كونية" في نظر عروبيين وأمميين ما كان ممكناً أن يكون لهم حضور أو حتى صوت لولا "استغلالهم" (سابقاً) معاناة الشعوب العربية على أيدي أنظمتها المستبدة الفاسدة!
وعلى الرغم من معرفتهم التي تحيط بـ"الكون"، كما ينبئ توصيف "المؤامرة الكونية"، فإن القائلين بها لا يخبروننا -ابتداء- ضد ماذا يتم توجيه المؤامرة! ضد الجيوش التي كانت قد وصلت تخوم يافا وحيفا بعد أن حررت الجولان؟ أم ضد الازدهار والرفاه اللذين كانت ترفل فيهما الشعوب العربية؟! أم هي ضد ما يعتبرونه "قدراً" عربياً بالذل والجوع، خلافاً لشعوب الأرض قاطبة؛ بدليل تأييدهم واحتفالهم بالاحتلال الإيراني والروسي للعراق وسورية مثلاً؟
أهم من ذلك، أن العروبيين القوميين والأمميين "تشبيحاً"، يغدون "ديمقراطيين" قُطرياً أو وطنياً! فأبسط انتهاك لحقوق الإنسان في بلدانهم -وليس استخدام الكيماوي والبراميل المتفجرة والإبادة الجماعية كما في سورية والعراق- ومثله أدنى ارتفاع في الأسعار، أو شبهة فساد -وإن كانت نقطة في بحر فساد رامي مخلوف مثلاً- تستدعي من هؤلاء "الشبيحة الديمقراطيين" كل الصراخ والعويل، من نذر عدم استقرار لا يُبقي ولا يذر!
باختصار، حتى باعتراف أنصار الاستبداد والفساد، لا يبدو "الربيع العربي" المقبل أكثر من تحصيل حاصل؛ فلا يحتاج إلى تقرير/ تقارير دولية تُحذر منه. إذ إن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الربيع الأول لم تتفاقم فحسب، بل وأضيفت إليها مجازر واحتلالات جديدة، تُضاف إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيش أفضل أيامه، على الرغم من أن الخرافة المؤسسة للدفاع عن الاستبداد والفساد العربيين تتمثل في أنهما القادران على تحرير فلسطين!
طبعاً، وأغلب الظن، أن أنظمة الاستبداد والفساد وشبيحتها وبلطجيتها، سوف تستخدم هكذا تقارير لاحقاً باعتبارها دليلاً على "المؤامرة" التي كانت تُحاك ضدها منذ سنوات، بما يبرر قتل الساعين إلى الكرامة والعدالة كونهم محض متآمرين! وهو فقط ما قد يفسر عنونة صحيفة مشهود لها بتأييد الثورات المضادة وإيران بشأن تقرير "التنمية الإنسانية العربية للعام 2016" بأنه تقرير يحذر من ربيع عربي جديد. لكن مرة أخرى: هي مؤامرة على ماذا؟ على البؤس والذل، أم على مصالح إيران وروسيا وإسرائيل في المنطقة؟!