الربيع العربي في مجلس الأمن

قيل في تفسير روسيا لموقفها الرافض لقرار من مجلس الامن يدين سورية ويهيئ لعقوبات تحت الفصل السابع الذي قد يسمح بتدخل عسكري فيما بعد، أن روسيا لا تريد تكرار ما حدث في ليبيا عندما صدر قرار مجلس أمن محدد ومقنن، ليتم بعد ذلك انتهاكه من قبل منفذيه وتحويله إلى حرب على ليبيا. وقيل أيضا في معرض الفيتو الروسي-الصيني إن سورية ليست ليبيا ولا يمكن أن تعامل بنفس الطريقة. وهذا كلام صحيح الى حدود معينة رغم حرفيته وإغفاله لأحقية ما حدث في ليبيا، حتى لو كان تجاوزا على حدود قرار مجلس الأمن بشأنها. لكن المقلق والناقص في موقف روسيا-الصين هو عدم تقديم أي اقتراح أو بديل أو رؤية للقرار الأممي المرفوض للخروج من الأزمة السورية الحالية المرشحة للتفاقم والتمدد إلى خارج حدود سورية. ما كان يجب أن تضيفه الدبلوماسية الروسية-الصينية هو إدانتها لقتل المدنيين السوريين، وإخبارنا كيف تعتقد أن ذلك سينتهي، وما الذي ستفعله في سبيل تحقيقه. اضافة اعلان
قليلون من يعتقدون أن تكرارا لما حدث في ليبيا سيحدث مع سورية، لأن سورية ليست ليبيا وهذا صحيح، ولكن وسيلة دولية وإقليمية من نوع آخر يجب أن تتأتى، لأن ما يحدث في سورية لا يمكن السكوت عنه وهو مرشح للتزايد. الدول التي استخدمت حق النقض "الفيتو" معنية بأن تقدم اقتراحات، وأن تتدخل لدى سورية لكي تنقذ الموقف، لا أن تتصرف وكأنها الحارس والراعي الرسمي لإبادة شعب بأكمله. كما أن الصين وروسيا تعتقدان وتجزمان أن ما حدث في ليبيا خطأ، وأن الدور الدولي هناك كان تجاوزا وهذا غير صحيح، فالثابت أن العرب والعالم كانوا شبه مجمعين على ضرورة وأحقية وإنسانية التدخل الدولي في ليبيا، والغالبية لم تعتقد للحظة أن ما حدث هناك احتلال أو انتداب من أي نوع. ما حدث هو تدخل عربي ودولي لإنقاذ شعب من الإبادة التي لولا حدوثها لما أجمع أحد على التدخل ولما أرادوه.
القرار الأممي الذي تم إيقافه ما كان ليصبح ذا دلالات تطبيقية في تقديري لأن سورية ليست ليبيا، بل أقرب لحالة العراق التي ترتبط بذهنيتنا بسواد داكن. ولا أعتقد أن العالم والإقليم قادران أو راغبان في تكرار مأساة العراق الكارثية، ولكنّ قرارا أمميا كان ليسهم بدرجة أو أخرى في تخفيف قتل الأبرياء العزل من الشعب السوري عن طريق الضغط على آلة القتل التي تستبيحهم.
سورية نجت من قرار أممي وشيك بسبب تصفية حسابات أممية يظهر أن الشعب السوري سيكون أول من يدفع ثمنها. وتتحمل روسيا والصين الآن مسؤولية سياسية وأخلاقية كبيرة تجاه هذا الشعب الذي يخضع لأبشع أنواع التنكيل. وبتقديري أن موقف البلدين لا يعكس فهما دقيقا لما يجري في سورية والإقليم، والأرجح أنهما سيتكبدان تكلفته السياسية في المستقبل، لأن المجتمع الدولي ودول الإقليم ستستمر في البحث عن أساليب تواجه بها الأزمة السورية وتداعياتها، حتى لو كان ذلك خارج إطار منظومة الأمن الجماعي الدولي المتجسدة بمجلس الأمن.