الرد المنضبط من ترامب على قصف منشأتي النفط السعوديتين

هآرتس بقلم: تسفي برئيل 20/9/2019 الرد المنضبط من ترامب على قصف منشأتي النفط السعوديتين بصورة قاطعة وبدون اسئلة زائدة تم في إسرائيل اعتبار الهجوم على منشآت النفط في السعودية كـ "هجوم إيراني". هذا التعريف يخدم حقا سياسة إسرائيل – التي تستهدف التأثير على الدول الأوروبية من اجل الانسحاب من الاتفاق النووي. في مؤتمر صحفي عقد الاسبوع الماضي عرض السعوديون اجزاء من صواريخ وطائرات بدون طيار التي سقطت في الموقع الأكبر للنفط، ابكيك، وأدت الى انخفاض تصدير النفط من المملكة بنحو 50 %. المتحدث بلسان وزارة الدفاع السعودية، الكولونيل تركي المالكي، اوضح بأن بقايا الصواريخ والطائرات بدون طيار تدل على أنها من انتاج إيران. وحسب اقواله، ايضا زاوية الإصابة تدل على أن مسارها مر من الشمال إلى الجنوب، وبناء على ذلك يمكن الاستنتاج أنها لم تأت من اليمن. ولكنه أضاف "نحن ما زلنا نحقق في المكان الذي اطلقت منه بصورة دقيقة". وحول السؤال الحاسم، هل إيران هي التي اطلقت الصواريخ وهل هذه الصواريخ اطلقت من اراضيها، ليس للسعوديين أو الأميركيين أي اجابة. ويبدو أنه لا يوجد رجل استخبارات يستطيع ذلك أو أنه لا يريد في هذه الاثناء اثبات وجود دليل قاطع إيراني. في حين أن الحوثيين يواصلون التمسك بالرواية القائلة بأنهم هم الذين اطلقوا الصواريخ، إلا أن إيران تنفي بالطبع أي تدخل لها. ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يعتبر الهجوم "اعلان حرب" – تصريح بعيد المدى لا يستقيم تماما مع موقف السعودية. في زيارته الاربعاء الماضي للسعودية قال بومبيو إن "هذا كان هجوم إيراني". ولكن إعلان كهذا يضع أمام الولايات المتحدة والسعودية معضلة صعبة، يمكن أن تجبر السعودية على شن حرب أو على الاقل الرد بصورة شديدة على الهجوم. وبهذا تكون المسؤولة عن مواجهة يمكن أن تجر المنطقة الى حرب شاملة، كما هدد أول من أمس وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف. في نفس الوقت السعودية تسمع وتقرأ بحرص شديد صيغ التغريدات الملتوية للرئيس دونالد ترامب والتي بحسبها "الهجوم تم في اراضي السعودية"، لذلك، السعوديون هم الذين يجب عليهم الرد. بالنسبة لترامب "هذا لا يعتبر مسا بالمصالح الامنية والقومية الاميركية. هذه الاقوال تطرح سؤال اعتبار الدفاع عن مصادر النفط في الشرق الاوسط مصلحة اميركية. حرب الخليج الاولى في 1991 التي جاءت في اعقاب احتلال العراق للكويت، استندت بصورة كبيرة على الادعاء الذي يقول إن سيطرة العراق على نفط الكويت والخوف من توسيع نفوذهم ايضا على حقول النفط في السعودية تهدد المصالح الاميركية. الآن يبدو أن النفط لم يعد جزء من ذرائع الحرب المشروعة التي ستجبر الولايات المتحدة على شن حرب. ترامب اوضح بأنه حقا سيساعد السعودية، لكنه كتب ايضا أنه لم يتعهد لهم بأي شيء. "يوجد لدينا خيارات متعددة، لكننا الآن لا نختار الخيارات"، قال. إن اسهامه في الجهود الحربية طرحه ترامب باعلانه أنه أمر بفرض عقوبات اخرى على ايران، بدون أن يفصل نوعها وحجمها. وبالنسبة للرد العسكري الواسع، اوضح ترامب للسعودية بأنه "اذا قررنا القيام بفعل شيء ما فان السعودية يجب عليها أن تكون مشاركة جدا، وهذا يشمل دفع الثمن. هم يعرفون ذلك جيدا". اقوال ترامب بقدر ما تعكس سياسة وليس فقط رد تلقائي، ترسم مخطط الاستراتيجية الاميركية لنشاط عسكري ضد ايران بشكل خاص وفي الشرق الاوسط بشكل عام. وحسب هذه السياسة تدخل اميركي مباشر في الحرب ضد الحرب العدوانية الموجهة ضد حلفائها ليس اوتوماتيكي. سيكون مشروط كما تم التوضيح للسعوديين بأن الدولة التي ستهاجَم هي التي ستقرر الرد وتقوده. وإذا اقتضى الأمر ستكون الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة مقابل الدفع. وفي الشأن الاسرائيلي إن طرح الهجوم كشأن سعودي وليس كمس بالمصالح الاميركية، فان اقوال بومبيو التي تقول إنه يأتي إلى السعودية من اجل أن يسمع من السعوديين "بأي شروط هم مستعدون للمواصلة" وتغريدات ترامب يجب أن تثير القلق ايضا في اوساط متخذي القرارات في إسرائيل. هل إسرائيل يمكنها حقا الاعتماد على أن الولايات المتحدة ترى في مهاجمة إسرائيل مسا مباشرا بالمصالح القومية والامنية الأميركية، بحيث تجبرها على أن تقود حربا ضد ايران أو أي دولة عدوانية اخرى؟ أو أنها ستقول بارتياح إن "هذا شأن اسرائيلي" وأنها "ستكون مسرورة للمساعدة". صحيح في هذا الوقت مكانة إسرائيل في أميركا وطيدة وقوية وثابتة اكثر إلا انه لا يوجد لإسرائيل أي ضمانات لتخليد مكانتها كمدللة اميركية. إن سلوك الولايات المتحدة ازاء السعودية يمكن كما يبدو أن يعزز من هو متحمس من امكانية التوقيع على اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة. حلف كهذا من شأنه على الاقل على الورق أن يضمن بأن تقف الولايات المتحدة الى جانب إسرائيل، لكن إسرائيل يمكن ايضا أن تجد نفسها في مكان تركيا، التي رغم كونها عضوة هامة في الناتو، لم تنجح في اقناع اوروبا أو أميركا بشأن شن حرب على سورية عندما هوجمت على أيدي قوات كردية وسورية. الى جانب ذلك، حلف دفاع مع الولايات المتحدة من شأنه ايضا أن يقيد إسرائيل، اذا قررت أن تهاجم بنفسها ايران وحتى هجماتها المفاجئة على اهداف ايرانية في سورية والعراق. ومن الأمور الباهرة في هذا السياق هو المراسلات عبر تويتر التي جرت هذا الاسبوع بين السناتور لندسي غراهام والرئيس وفيها قال غراهام بأن الرد على اسقاط الطائرة الاميركية بدون طيار اعتبر في نظر الايرانيين كضعف. "من السهل جدا المهاجمة ولكن اذا سألتم لندسي فاسألوه كيف أن الدخول الى الشرق الأوسط انتهى وكيف انتهت الحرب في العراق"، قال ترامب في رده. مع موقف كهذا يصعب التقدير بأن ترامب سيشجع السعودية على أن تهاجم بنفسها ايران – بسبب الخوف من أن رد كهذا من شأنه أن يجر واشنطن الى أن تتجند لمساعدتها وتتورط في حرب يريد ترامب من البداية الامتناع عن الدخول فيها. الحذر السعودي من انكشاف دليل قاطع ايراني يمكن أن يكون مفهوما على خلفية الاعتراف بأنها من شأنها أن تجد نفسها ليس فقط بدون شراكة أميركية عسكرية، بل ايضا في خلاف شديد مع حلفائها من دول الخليج. دولة اتحاد الامارات التي فعلا سحبت جزءا من قواتها في اليمن وحسنت علاقاتها التجارية مع ايران، تعارض كل عملية عسكرية من شأنها المس باقتصادها، الكويت لا تسوي خطها مع السعودية، قطر غارقة في انقسام عميق مع المملكة وتجري تعاونا وثيقا مع إيران وليس هناك أي دولة عربية اقترحت على السعودية مساعدة عسكرية في حالة قررت شن حرب ضد إيران. ولكن ايضا غياب رد يدخل السعودية وأميركا في مشكلة. الهجوم سواء نفذ من قبل إيران أو من قبل مليشيات شيعية من داخل الاراضي العراقية أو من قبل الحوثيين، يوضح جيدا طبيعة التحدي العسكري الذي يقف امام من سيقرر مهاجمة إيران. لا يوجد لإيران حقا سلاح جو هام ولا قوات بحرية وبرية يمكنها أن تواجه القوات الاميركية، لكن هي قادرة على ضرب اهداف استراتيجية مثل منشآت نفط وقواعد عسكرية وصهاريج نفط وسفن عسكرية، وادارة حرب استنزاف غير متناظرة بدون حسم وبتكلفة منخفضة نسبيا. ازاء الاعتبارات الأميركية والسعودية العلنية، يصعب أكثر تقدير كيف أن هجوما تكتيكيا واستراتيجيا سيخدم إيران في تطلعها لرفع العقوبات، وخاصة على ضوء حقيقة أن هذه من شأنها أن توحد ضدها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. إيران رفضت اقتراح فرنسا في أن تضع تحت تصرفها خط اعتماد مؤقت بمبلغ 15 مليار يورو كقرض يمكنها من مواجهة الازمة الاقتصادية حتى يتم العثور على حل سياسي. ايران اعلنت بأنه لن تعقد أي مفاوضات مع الولايات المتحدة طالما أن العقوبات سارية المفعول. التخطيط للقاء بين ترامب وروحاني على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في هذا الشهر لم يعد ايضا على الاجندة. في موازاة ذلك، إيران أعلنت أنها ستواصل تخفيض التزاماتها بالاتفاق النووي، هي بالفعل لم تعط تفصيلات، لكنها من شأنها أن تصل ال نقطة فيها باقي حلفاءها سيضطرون الى الانضمام الى العقوبات. وفي اسوأ الحالات حتى مهاجمة منشآتها النووية. هل ايران لا تقرأ جيدا الخارطة السياسية والسياساتية، أو أنها مأسورة داخل رواية داخلية التي تؤيد موقف صمود ضد "الدول الخائنة" الى جانب الشعور بالقوة القومية التي تستند الى الايمان بأن كل العالم ضدها، والذي يملي سلوكها. هذه الرواية تظهر في تصريحات زعمائها طوال السنوات وفي كتابات كتاب الاعمدة في وسائل الاعلام، ولكنها تغيب تقريبا تماما عن التحليلات وأوراق المواقف الغربية التي تتناول الاستراتيجية التي يجب اتباعها ازاء إيران، التي تتركز على القدرات العسكرية لإيران، وعلى مواقع سيطرتها في الدول العربية وعلى مشروعها النووي. النتيجة هي أن رواية غربية بسيطة قابلة للاستيعاب و"منطقية" هي تلك التي تحدد السياسات تجاه إيران، وهي ايضا يمكن أن تشعل الحرب القادمة.اضافة اعلان